حضرت حفل الفنانة القديرة منال محيى الدين عازفة «الهارب»، بالأوبرا الأسبوع الماضى، زحام الطريق، مظاهرات الإخوان، وصلت إلى الأوبرا بصعوبة، فوجئت بأن المسرح المكشوف اكتظ بأكثر من 1500، معظمهم شباب وشابات، أغلبهم بنات محجبات، المقاعد لم تكف، نصف الحضور افترش الأرض على مساند، على عكس المنتديات الشبابية، صمت تام مع لمسات أنامل منال لأوتار الهارب.. تحول المكان إلى معبد والحضور إلى متعبدين فى حضرة «الهارب»، تتحول عازفتنا إلى مايسترو، تتحد النغمات من كل الآلات وتسرى موجاتها فى ثنايا العقل، تتوحد الوجوه، وكأن منال خلف الهارب قائد ثورى خلف منصة التحرير، تتراقص الأفئدة، تلتهب الأكف، ويتحول الجميع إلى إنسان واحد، نغمات الهارب توحد الولد والبنت، الأسود والأبيض، العجوز والصبى، الغنى والفقير، المسيحى والمسلم، الإسلامى والعلمانى، وآه يا أفق تجلى من أنامل منال لا تنغلق.
أغمض عينيا، أجدنى 1972، الشيخ إمام بجوار منال، «مصر يامة يا بهية يام طرحة وجلابية، الزمن شاب وانتى شابة هو رايح وانتى جاية، جاية فوق الصعب ماشية فات عليكى ليل ومية، تضحكى للصبح يطلع بعد ليلة ومغربية، يطلع الصبح يلاقى معجبانية وصبية يا بهية».
جلست بعدها بأيام مع اللواء صلاح زيادة محافظ المنيا، هدوء الرجل وصمت النيل.. أعادانى لهارب منال وبراءة ضحكة حفيدتى، كنا نتحدث عن كيفية مكافحة الإرهاب، المسؤولون الأمنيون تحدثوا عن الخطط الأمنية وآخرون تكلموا عن التعليم، حرضت نغمات الهارب لسانى، قلت: الفن أقوى من المدافع، وتساءلت لماذا لا نحيى الحفلات الموسيقية والمسرحية والسينما.. وتوقفت عن هارب منال وأناملها وتذكرت روحانية الفن فى تشكيل الوجدان، ولماذا لا يوجد فنان تحول إلى العنف، ولماذا تسرب وجداننا من بين أيدينا بعد أن أقلعنا عن تحية العلم، وتاه منا اللحن والنشيد، وألغيت حصة الموسيقى، وتحول المسرح إلى فصل، وآه يا منال لو تدرين لوضعت «الهارب» على الجرح، وذهبت إلى أعماق الصعيد تبشرين بدعوتك، الموسيقى فى مواجهة الرصاص، من منا يدرك معنى بكاء الناى، ونشيج الهارب، ونواح الكمان، تختلط الدموع بالدماء باللحن الحزين، لمنال محيى الدين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة