منذ ما يقرب من عام عقدت الجمعية المصرية لأمراض الصدر مؤتمرا بالغ الأهمية، أكد فيه وزير الصحة الأسبق «محمد عوض تاج الدين» أن أمراض الصدر فى مصر «مخيفة»، وأن ما يقرب من تسعة ملايين مصرى مصابون بأمراض صدرية مختلفة، وأن تلوث الهواء والتدخين هما السببان الرئيسيان فى هذه النسبة المرتفعة من الإصابة بالأمراض الصدرية.
ولعلك تلحظ هذه الأيام فى ظل الانفلات الأمنى والأخلاقى الذى نعيشه، أن نسبة التلوث قد ارتفعت فى المدن بشكل كبير، ولا يختلف الحال كثيرا إذا ما نظرنا إلى الريف المصرى الذى تأكل فيه النيران ثرواتنا من قش الأرض، ومخلفات الزراعة بدلا من استخدامها فى التصنيع، لكن على ما يبدو فإن حكومتنا الراشدة، لا ترى أن نسبة الإصابة بأمراض الصدر كافية، ولذلك خططت لزيادتها خلال الأعوام القادمة بالاعتماد على «الفحم» كمصدر رئيسى للطاقة فى مصر!
ربما تكون ممن يظنون أن الحديث عن التلوث البيئى ترفا زائدا، لكنى أدعوك إلى أن تتنازل عن هذه الرؤية لتنظر إلى الأمر باعتباره «أمنا قوميا» وذلك لأن الثروة الحقيقة لأى بلد هى أبناؤها، وأن أى بلد «محترم» لابد أن يفكر فى رعاية أبنائه صحيا وثقافيا قبل أى شىء آخر، وللأسف فقد سيطرت حالة من الاستسهال على الحكومة، حتى أصبحت ترى كل من يعارض قراراتها خائنا، ولا ينم هذا التوجه إلا عن ضيق صدر الحكومة وضيق أفقها أيضا، وذلك لأن توجهها نحو الاستثمار فى الفحم وهو من المواد غير المتجددة يعنى أننا سننفق ملايينا على إنشاء بنية تحتية تتلاءم مع تصنيع الفحم، وأننا سننفق ملايينا أخرى فى معالجة آثاره على البيئة والإنسان فى حين أننا لو أنفقنا هذه الأموال على الاستثمار فى الطاقة الشمسية أو النووية أو حتى طاقة الرياح، فإن الناتج سيكون أهم وأنظف وأبقى.
تحتل مصر مرتبة متقدمة بين دول العالم فى معدلات تلوث البيئة، كما أنها تعانى من عدة أمراض مصاحبة لهذا التلوث مثل التخلف والضعف الجنسى والسرطان بالإضافة طبعا إلى أمراض الكبد والكلى، لكن الغباء وحده هو الذى يقودها لمزيد من الأمراض، فقد غادر العالم «عصر الفحم» منذ زمن بعيد، لكن على ما يبدو فإن مصر قررت أن تعود إلى عصر الفحم فى إشارة عفوية لرغبة الحكومة المستعرة للعودة إلى موبقات العصور البائدة.