"حرام ومنع" كلمتان تصدرتا عناوين الصحف ووسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة, الأولى ارتبطت فى معظم العناوين بعدد من الفتاوى التى أصدرها الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية والثانية ارتبطت بمنع عرض فيلم حلاوة روح بقرار من المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء شخصيا, وهى المرة الأولى التى يصدر فيها قرار بمنع عرض فيلم ممن يشغل هذا المنصب.
وفيما عدا فتوى الشيخ برهامى الأخيرة التى جاءت لتجيز للرجل أن يترك زوجته للمغتصبين دون أن يدافع عنها فى حالة ما إذا شعر بأن دفاعه عن عرضه سيكلفه حياته, تحت دعوى أن حفظ النفس مقدم على حفظ العرض, وهى الفتوى التى تناسى فيها الشيخ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "من مات دون أهله فهو شهيد ومن مات دون عرضه فهو شهيد", كما أغفل فيها الفطرة البشرية وحتى الحيوانية التى لا تتيح للذكر التفكير وحساب الأضرار والخسائر حين يرى ذكرا آخر يعتدى على أنثاه.
ففيما عدا هذه الفتوى التى أثارت الجدل جاءت معظم الفتاوى الصادرة مؤخرا عن الشيخ برهامى والتى تصدرت وسائل الإعلام مذيلة بعبارة: "حرام شرعا" وذلك تعليقا على قضايا خاصة وتحمل أبعادا سياسية.
وكانت عناوين هذه الفتاوى كالتالى: "نشر صور قضية مدرب المحلة حرام شرعا", وذلك تعليقا على ما قامت به المواقع والصفحات التابعة لجماعة الإخوان من نشر صور لقضية مدرب المحلة المتهم بتصوير سيدات فى أوضاع مخلة, وفتوى ثانية تناقلتها الصحف تحت عنوان "الهاشتاج المسىء للسيسى حرام شرعا", وجاء عنوان فتوى ثالثة "خروج أنصار مرسى إلى الشوارع للمطالبة بعودته حرام شرعًا", وفتوى رابعة تحت عنوان: "السخرية من الإعلاميين"حرام شرعًا".
وهكذا جاءت معظم فتاوى الشيخ برهامى لتترك القضايا العامة الكبرى وتنحصر فى مواقف خاصة مما يجعلها أقرب إلى المواقف السياسية ويبعدها كل البعد عن مقومات الفتوى الشرعية الدينية, فالسخرية من أى إنسان حرام وليس من الإعلاميين فقط, كما أن استخدام الألفاظ المسيئة فى حق أى انسان حرام سواء كان هذا الشخص مشيرا أو غفيرا, وبالطبع فإن نشر الصور والفيديوهات الفاضحة حرام سواء نشرتها مواقع إخوانية أو غير ذلك.
وهكذا فعلت الحكومة ممثلة فى رئيس الوزراء حين تركت ما نعانيه من مشكلات وأزمات لتقرر منع فيلم حلاوة روح، ورغم أننا لا نؤيد ما يحويه أى فيلم أو عمل فنى من إسفاف أو قيم تتنافى مع الأخلاق أو مشاهد خادشة للحياء, إلا أن قرار رئيس الوزراء بمنع فيلم حلاوة روح يتشابه إلى حد كبير مع فتاوى الشيخ برهامى, فالأسباب المطروحة لمنع فيلم حلاوة روح تنطبق على عشرات الأفلام والأعمال الفنية التى لم يتم منعها ومنها ما أذيع على شاشات الفضائيات والتلفزيون فى شهر رمضان الماضى, وعشرات الأفلام التى تكتظ بمشاهد العنف والجنس والسنج والمطاوى والسيوف والألفاظ والأفعال المشينة والفاضحة التى تركت أثارها على مفردات الشباب وحتى الأطفال, ولا يعنى ذلك تحريضا على منع هذه الأفلام التى أصبحت ترجمة للواقع تأخذ منه وتؤثر فيه, وجزءا من انحدار أصاب الفن كما أصاب معظم مناحى حياتنا ولا ينتشلنا منه مجرد منع أحد هذه الأفلام كما لن تعيدنا إلى الفضيلة فتاوى الشيخ برهامى "المخصوصة".
ومما يثير الدهشة والتعجب ما جاء على لسان الحكومة فى تبريرها لمنع فيلم حلاوة روح بأن هذا المنع جاء استجابة لشكاوى المواطنين, وكأن الحكومة أصمت أذانها ولم تسمع شكاوى المواطنين من غلاء الأسعار وفقدان الأمن وانقطاع الكهرباء وأزمات المرور وغيرها من أوجاع تتفاقم يوميا لتطحن المواطنين ليل نهار, وكأن المواطنون تركوا طوابير الخبز والأنابيب والمعاشات ليتزاحموا على السينمات, أو أن عيونهم "مش متعودة دايما" على مثل هذه المشاهد, أو أنه لم يخدش حياءهم وأبصارهم وأخلاقهم ما سبق وما سيأتى من أعمال فنية تكتظ إسفافا وعنفا وجنسا, ليأتى هذا القرار الصادر بالمنع من رئيس الوزراء متشابها ومتطابقا ومتزامنا مع فتاوى التحريم الصادرة من الشيخ برهامى, كلاهما سيذهب أدراج الرياح ولن تكون له أى تأثيرات على المجتمع, فلا فتاوى الشيوخ المخصوصة ستعيدنا للفضيلة وتحفظ الدين ولا قرارات المنع الحكومية المنقوصة ستعيد الأخلاق وتصلح الدنيا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة