- يابلد معانده نفسها يا كل حاجة وعكسها، وكأن كلمات الموهوب الرائع أيمن بهجت قمر تفط وتنط من بين الأوراق لتتجسد لنا فى جسد الوطن، نعم الانتخابات أى انتخابات هى صراع بين متسابقين، كل منهم يريد هو ومن معه أن يكون الفائز، ولكن ما يحدث فى مصر يتجاوز كثيراً شكل المعركة الانتخابية، فمؤيدو السيسى أُطلق عليهم المختلفون عنهم لقب السيساوية، ومؤيدو حمدين أطلق عليهم فى المقابل مؤيدو السيسى صباحية، وهكذا صارت مصر إما سيساوية أو صباحية، ولا مانع عندى من إطلاق الأسماء ولكن المشكلة أن طرح التسمية فيه كثير من الاتهام وكأن مجرد فكرة تأييد مرشح ما، صارت تهمة لدى كل طرف.
- يردد كثير من الناس عبارة تقليدية تنم بالنسبة للسامعين والقائلين عن الاحترام، وهى أن فلانا رجل محترم ثابت على مبدئه، وللحق أن هذه عبارة مطاطة، وبالنسبة لى لا تنم عن احترام بقدر ما تنم عن تحجر العقل، وغياب المنطق، ودعنى أسوق لكم مثلاً حياً، خاصة فى السياسة، ودعنى أضع نفسى أمامكم بلا خجل كمثل، وأعرف أن هناك ملايين مثلى فأنا قد انتخبت حمدين فى الانتخابات الرئاسية الماضية، وكنت من أشد مؤيديه وحين صرح بعد الانتخابات بأن الأصوات التى حصل عليها أصوات حلال سعدت بهذا التعبير، لأنه كان يعنى ما أراه حقا أن كل من منحه صوتاً كان أمامه آخرون أغلبهم أو على الأقل بعضهم منحوا صوتهم لمرسى بمقابل مادى، أو بضغط دينى غير صحيح، ثم ها هى تمر الأيام ويأتى استحاق انتخابى آخر جديد، لست داعمة فيه لحمدين، وأعيب عليه استخدام ذات التعبير الخاص بالأصوات الحلال التى قال إنها منحته التفويض، ورُبَ قائل يتهمنى أننى ممن لا يثبتون على مبدأ، ولكن الأمر ليس له علاقة بمبدأ وثبات الأمر. كلمات مثل الحق والخير والعدل وحتى الجمال، كلمات ومبادىء تبدو ثابتة، ولكن ما تراه اليوم حقا قد تراه غداً فى موضع آخر وفى فعل آخر غير ذلك، حين تكلم حمدين سابقاً عن الحلال والحرام كنت أراه على حق، ولكن ملايين يمنحون صوتهم اليوم للسيسى بلا مقابل، إلا القناعة أو الحب أو التعلق بأمل، لذا أعيب على صديقى حمدين صباحى استخدام ذات التعبير فى غير موضعه. والخلاصة أن المصريين منذ ثورة يناير حتى الآن، تغير كثير من المعانى وتفسيراتها لديهم، فلا تخجل أن تغير رأيك وتعلنه، وإن اتهمك أحد بأنك غير ثابت على مبدأ، قل له إن الثبات موت، والتغيير هو سنة الحياة كلما واجهتنا مواقف مختلفة.
- فى هذا الأسبوع افتتح وزير الزراعة معرض الربيع للزهور، وفى أثناء تفقده المعرض وقف رجل بيافطة عليها اسمه وعنوانه يطالب وزير الزراعة بتقنين زراعة الحشيش الشعبى، وراح فى دفاعه عن فكرته يغرى الوزير بأن زراعة الحشيش الشعبى ستوفر للدولة ضرائب كثيرة وستخلق فرص عمل وتضيع على المهربين والتجار فرص السرقة من حق الدولة، فما كان من الوزير إلا أن سارع بترك المكان وهو متعجب.. وغالباً أنه قال فى عقل باله كان يوم أسود يوم مابقيت وزير، الشعب لا عاد يخاف ولا يختشى، وهى حقيقة، وربما هذا الرجل واحد من اثنين إما تاجر حشيش يريد أن يستفيد بحالة الديمقراطية الطرطشة فى البلد، أو رجل يود أن يصوره الإعلام ويصبح مشهوراً فى منطقته باعتباره الرجل الذى طالب الوزير بزراعة الحشيش وفى الحالتين المسألة هوس، وسوء فهم للديمقراطية، وهوس وسوء فهم للإعلام ووظيفته، وفوق هذا وذاك فقد صار أغلب الشعب لا بيخاف ولا بيختشى. و«الخوف والخشا» مطلوبان لاستمرار الحياة الخوف من القانون هو الخوف المشروع المطلوب، ولكن هذا الرجل لم يخف فى بلد صار كل عابر سبيل يمتطى القانون حسب هواه، و«الخشا» من الفضيحة شىء مطلوب، ولكننا فى بلد صارت الفضيحة فيه تعلى من شأن أصحابها وتجعلهم مادة ثرية للإعلام، ويسيرون رافعى الهامات ألم أقل لكم إننا صرنا بلدا لا بتخاف ولا تختشى.