1
من وحى ما ورد فى الفيلم الدعائى للحملة الشعبية الداعمة لعبدالفتاح السيسى فى انتخابات الرئاسة تفهم أن المرشح الرئاسى يحتاج إلى أن يجلس منفردا ليردد مع نفسه كلمة «الشورى» 999 ألف مرة، حتى يستقر فى وجدانه إيمان بأن القائد أو المدير أو الرئيس واجب عليه استشارة من حوله قبل أن يتخذ القرار.
التكرار هنا عقيدة، تكرر الاستغفار يأتيك الفرج، تكرر آية الكرسى يحفظك الله من المكروه، تكرر الدعاء تقترب من باب الاستجابة، فقهيا يقول العلماء إن تكرار الدعاء والإلحاح فيه شرط من شروط استحسانه والاستجابة له، فلا تستغرب أن ينصح المشير صاحبه بتكرار آيات وأذكار معينة 999 ألف مرة حتى يحفظه الله ويحقق أحلامه.
الأفضل لنا ولك ولمصر أن نتعامل مع نصيحة المشير كنصيحة دينية بالغ صاحبها فى أرقامها من شدة تأثره ببيئة التدين الشعبى فى الحسين والجمالية، وذلك أفضل من أن تتعامل مع التسعات الثلاثة كأرقام تفاؤلية يسعى المشير لتكرارها على طريقة عبدالناصر وزمن انتخابات الـ99.9% من الشعب المصرى قالوا نعم للرئيس.
2
يبدو التكرار والإلحاح طريقا يحبه السيسى، سواء كان فى الدعاء والأذكار أو السياسة، فهو نفسه الرجل الذى أحب تكرار طلب التفويض من المصريين، وهو نفسه الذى كرر على مسامع مرسى وجماعته رسائل التحذير، وهو نفسه الذى لم يعلن ترشحه للرئاسة إلا بعد إلحاح قطاع شعبى فى النداء عليه.
وإن كان التكرار هو سبيل المشير الوحيد للتعامل مع الأشياء فلا ضير إذن من الدعوة التى أطلقناها فى أول هذا المقال بخصوص وجوب تكرار كلمة الشورى حتى تتحول من مجرد لفظ يسوق به السياسيون أنفسهم بين الناس، إلى عقيدة لا يجوز للسياسى أن يصل بدون الإيمان بها إلى كراسى الحكم.
والاستشارة هنا تكليف وليست تفضلا هكذا تقول العلوم الدنيوية الخاصة بشرح معايير الديمقراطية التى تفرض على أى قائد أو رئيس ضرورة الأخذ برأى مستشاريه وأعوانه حتى لا يتحول إلى ديكتاتور.
الاستشارة هنا واجب دينى تقرب صاحبها من أرض الجنة وليست بدعة تأخذ صاحبها إلى باب النار هكذا تؤكد العلوم الدينية التى تسوق لنا ما ورد فى الآية الكريمة «وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكلْ عَلَى اللهِ إِن اللهَ يُحِب الْمُتَوَكلِينَ)، والتى يفسرها الإمام فخر الدين الرازى بأن ظاهر الأمر للوجوب، فقوله: (وشاورهم يقتضى الوجوب)، وأعاد التأكيد على ذلك الإمام النووى قائلا: (واختلف أصحابنا هل كانت الشورى واجبة على رسول الله – صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ – والصحيح عندهم وجوبها).
أصبح الكل الآن على علم بأن الشورى واجب دينى، ومبدأ لا نحصل بدونه على حاكم ديمقراطى.. ولكن يبقى السؤال: ما علاقة كل ذلك بالمرشح عبدالفتاح السيسى؟ هل ذكر الرجل أنه ضد مبدأ الشورى؟ هل رفض الرجل فكرة الديمقراطية؟
3
تبدو الإجابة سهلة حينما تستعين بالممارسات وتبتعد عن التكهنات أو تحليل التصريحات، وتبدو الإجابة أسهل وأسهل حينما تقتنع بأن الذكرى تنفع المؤمنين، وبكل تأكيد تنفع السيسى وصباحى وكل قائد فى موقع المسؤولية.
ولأنك لن تقبل بفكرة تذكير السيسى، ولأننا فى ظرف استثنائى العادى فيه اتهام من يتجرأ ويشير لرجال الدولة إلى بعض القواعد التى لا تستقيم بدونها العملية الديمقراطية، فتعال نستخدم ممارسات المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى كسبب أول ورئيسى للحديث عن مبدأ الشورى.
- الحملة الانتخابية طرحت 3 شعارات لها للتصويت بين الأفراد (مصر أولا، مصر أهم، تحيا مصر) دعك من تقليدية الشعارات المطروحة وركز مع النتائج جاء التصويت على مصر أولا فى المرتبة الأولى ومع ذلك قرر المشير اختيار «تحيا مصر».
- مع بداية الإعلان عن الحملة الانتخابية للمرشح عبدالفتاح السيسى تهللت أسارير المصريين حينما سمعت عن تشكيل هيئة استشارية تضم مفكرين ورجالا محل ثقة مهمتهم تقديم النصح والمشورة للسيسى الذى انتقل لتوه من أرض السلاح إلى أرض السياسة، وتعامل المواطنون مع الخبر كبادرة خير وبشرى بأن الرجل القادم يختلف عن من سبقوه ولا يهدف إلى التفكير منفردا أو الحكم بالقرار الشخصى، حتى الآن يبدو الكلام جميلا ومعقولا ولا يستطيع جاحد أن يقول حاجة عنه، ولكن كان للدكتور عمرو الشوبكى عضو الهيئة الاستشارية رأى آخر حينما قال فى تصريح صحفى إن الهيئة الاستشارية كان رأيها ألا يظهر المشير السيسى بالزى العسكرى فى خطاب إعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية، ولكنه لم يفعل وظهر بالزى العسكرى، صحيح تفهمنا لموقف المشير الذى أراد أن يقدم للناس رسالة أخيرة يذكرهم فيها بأنه فى النهاية جندى هدفه خدمة الوطن، ولكننا لم نتفهم فكرة جهر أحد مستشاريه بأنه لا يستجيب لنصيحتهم، خاصة أن نفس المستشار ونفس الرجال الملتفين حول السيسى كانوا يعتبرون تصريحا مثل هذا صادرا عن أحد مستشارى المعزول مرسى دليلا كافيا لاتهام الرجل بالميل نحو الانفراد باتخاذ القرار.
- بعد أيام من تصريحات الدكتور الشوبكى ظهرت تصريحات أخرى من بعض أعضاء الهيئة الاستشارية تتحدث عن عدم أى لقاءات بين الهيئة والمشير، وهى أخبار لم يتم نفيها أو الرد عليها بصورة واحدة للقاء المشير بهيئته الاستشارية مثلما تنشر الحملة لنا كل يوم صورا من لقاء السيسى بالعديد من الوفود كان من بينها وفد يضم ممثلين كومبارس تم تقديمهم على أنهم شباب المبدعين.
فى الإعلان القادم سنردد نحن كلمة الشورى 999 ألف مرة وسنصرخ بها حتى تسمع كلماتنا من كان به صمم، أو من أراد أو تخيل أن الأمور قد تعود إلى سابق عهدها، رئيس يقود مجموعة صغيرة لإدارة البلد، وشعب داخل قفص زجاجى يصرخ دون أن يسمع له أحد نداء، سنرددها 999 ألف مرة لأن ثورة قامت وأتبعتها أخرى من أجل إرساء قاعدة واضحة «لا بديل عن ديمقراطية وشورى فى حكم مصر» حتى ولو كان الجالس على كرسى الرئاسة قد وصل إليه بصناديق انتخابات منحته الثلاث تسعات الشهيرة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة