الوقفات الاحتجاجية والندوات والمؤتمرات التى يتم تنظيمها يوميًا ضد التحرش تجعلنا نعتقد أن مصر كلها اجتمعت ضد التحرش.. الواقع والوقائع تؤكد أننا نقف فى مرحلة الاستنكار أو الإنكار، وما بينهما مسافة شاسعة من التسامح والقبول دائمًا، واللامبالاة أحيانًا، وكأن التحرش اللفظى أصبح عادة مصرية عادية وطبيعية، أما أشكال التحرش الأخرى فالسبب فيها البنات والنساء، لأنهن يرتدين ما يجبر الآخرين على مضايقتهن وإهانتهن حتى داخل الحرم الجامعى، وفى «عز» الظهر.. نكتشف أن التحرش فعل جماعى وعادى، والبنت «تستاهل» لأنها ترتدى زيًا غير ملائم. ويبدو أننا سنبقى فى مرحلة حسن النوايا، والتماس العذر فى التحرش، رغم أن الدراسات والأرقام تؤكد أن النسب فى مصر مخيفة ومرعبة ومهينة، ويكفى أننا فى المركز الثانى عالميًا بعد أفغانستان، حيث الكبت واللاأخلاق واللاتحضر واللاشىء هناك، فهل وصلنا إلى هذا المستوى؟!.. إنها «فضيحة بجلاجل»، والأسوأ ثقافة القبول لهذا الفعل، وتبريره بدلًا من وضع قاعدة احترام حرية المرأة، ولا شىء يبرر التحرش، ولا بد أن نرفض كمجتمع ودولة أن نكون شعبًا من المتحرشين أو القابلين بالتحرش، أو الراضين عنه، وماذا ننتظر لتغيير هذه الثقافة المهينة لأى مجتمع متحضر؟، ويكفى أن شبكة «سى. إن. إن» أكدت أن التحرش أصبح أسلوب حياة فى مصر.
هناك تقرير لمعهد التخطيط القومى حول التحرش الجنسى فى مصر، أكد أن %99 من المصريات تعرضن للتحرش بشكل عام، و%60 من النساء فى مصر تعرضن للتحرش عن طريق اللمس، و%88 تعرضن للتصفير والمعاكسات الكلامية، و%75 للنظرات الفاحصة السيئة لجسد المرأة، و%70 لمعاكسات تليفونية، و%63 لكلام له معنى جنسى، و%62 تعرضن للتحرش عن طريق التتبع. وإذا اعتبر البعض أن ملابس البنات والنساء تسبب الإثارة للرجل المكبوت، فلا بد أن نبحث عن جذور المرض وعلاجه، ونعترف أننا مجتمع مكبوت، ونبحث عن طرق الخروج من هذا النفق المزرى، وإلا ارتضينا أن نكون مجتمعًا تحركه غرائزه.. نظرية ملابس النساء تسقط عندما نرى أن التحرش ليس حصريًا على كاشفة شعرها، فهو لم يترك حتى من ترتدى النقاب، أخلاق المجتمع تأتى قبل أن نجعل من زى المرأة شماعة نعلق عليها هذه الخطيئة.
والمثير أن دراسة للمركز القومى للبحوث قالت إن %43 من الفتيات تم التحرش بهن، وإن المارة فى الشارع لم يقوموا بأى رد فعل لمنع المتحرش، خصوصًا الرجال، فالأغلبية منهم تظاهروا بأنهم لم يروا شيئًا. فهل المشكلة فى ملابس المرأة؟ أم فى اختفاء الجدعنة والنخوة فى الشارع المصرى؟ وهل أخلاق المصريين طالتها السلبية كما طالت كل شىء؟ متى نرفض أن تكون مصر بشهادة دولية المكان الأسوأ للنساء فى الشرق الأوسط؟ وكيف نقبل بالعودة لما قبل الجاهلية؟.. فالمجتمع المصرى الذى كان يتقبل الميكروجيب والمينى جيب كان به رجال ولديهم غرائز وهرمونات، لكن كانت لديهم ثقافة احترام المرأة واحترام الآخر واحترام الخصوصية، وكانت سلوكياتهم أكثر تحضرًا، وأخلاقهم أفضل كثيرًا من الحالة المصرية المتخمة الآن بادعاء التدين ومظاهر تدين شكلية، وفائض من التحرش.. التحرش لن ينتهى بقوانين، لكن بثقافة عامة تحترم المرأة، وتعترف بها كإنسان ولا تميزها باعتبار الزى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة