للانتخابات حساباتها المربكة ومعاركها الحامية، لكن المؤسف فى الأمر أن تصبح انتخاباتنا موسما لمدعى الشهرة ومحترفى الصيد فى الماء العكر، وهذا ما ظهر بشكل واضح فى تلك «الفضيحة» المخجلة التى تصدرت مانشتيات الصحف أمس، والخاصة بقضية تلقى حملة المرشح الرئاسى حمدين صباحى لتبرع مالى من أحد رجال الأعمال المصريين، فبحسب علمى لا يمنع القانون أى مرشح من تلقى تبرعات مادية أو معنوية من أى شخصية مصرية، وعلى حد علمى أيضا فإن رجل الأعمال المصرى محمد فريد خميس لم يدن فى أى قضية فساد حتى الآن، بل على العكس فإن له نشاطا اجتماعيا ملحوظا، وكثيرا ما يظهر فى وسائل الإعلام متبنيا أفكارا تخدم قضية العدالة الاجتماعية، وهنا يحق لنا أن نسأل لماذا تشتعل الآن هذه القضية المفبركة؟
خسائر الحياة السياسية المصرية من هذه القضية المفبركة لا تعد ولا تحصى، ولنا أن نتساءل أيضا: لمصلحة من هذا التوتر السياسى المكشوف؟ فمن ناحية تؤكد هذه القضية أن مصر أصبحت مرتعا لراغبى الشهرة من المحامين الذين لا يجدون للشهرة سبيلا إلا بقضايا الرأى العام التى تبتغى مغازلة السلطة الحالية، ومن ناحية أخرى فإنها تعيد إلى أذهاننا ما كان يفعله محامو مبارك من مطاردة المعارضة بالقضايا وإلهاء الرأى العام عن القضايا الكبرى بقضايا ثانوية مفتعلة، كما أنها تسهم فى إشاعة أجواء من الرعب والتخويف لأى رجل أعمال يريد أن يدعم مرشحا رئاسيا، كما تثبت أن الدولة غير حيادية فى تعاملها مع المرشحين.
الفضيحة الكبرى كما أراها ليست فى تلقى حمدين صباحى تبرعا ماديا من رجل أعمال مصرى، وإنما تكمن فى طريقة الكشف عن هذه القضية وتوقيتها، وهو الأمر الذى يضرب «حيادية الدولة» فى مقتل، ولنا أن نتساءل: من أين حصل هذا المحامى على الشيك الذى يدعى وجوده؟ فهذا الشيك لا يعد وثيقة إلا إذا تم صرف المبلغ من البنك، مع العلم أنه لا يحق لأحد أن يحصل على هذا الشيك لأنه - بحكم القانون - يقع تحت بند المعاملات السرية بين العميل والبنك، فهل انتهك البنك بنود السرية من أجل تشويه حمدين صباحى؟ أم سربت اللجنة العليا للانتخابات الشيك؟ أم أن الجهاز المركزى للمحاسبات هو جهة التسريب؟