بعد حرب الخليج الأولى وغزو القوات العراقية للأراضى الكويتية انقسم المثقفون اليساريون على أنفسهم بين مؤيد ومعارض، من وقف مع صدام حسين ومن تضامن مع الكويت الشقيقة، ونشبت معركة سياسية ودارت الاتهامات المعتادة داخل أبناء الفصيل السياسى الواحد، وكل طرف يتمسك بموقفه السياسى من الأزمة، ويحتكر الرأى لنفسه، ويرى الآخر على خطأ بل خطيئة، واجتهد كل طرف فى فضح الطرف الآخر سياسيا واتهامه بالعمالة والحصول على الأموال نظير موقفه سواء مع صدام أو مؤيد للكويت، وانتحرت الديمقراطية وحرية الرأى وقبول الآخر تحت سنابك المعركة السياسية الموازية لأزمة الغزو، ويومها وصف المفكر اليسارى الراحل الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله، المشهد فى مقولة رائعة مازلت أتذكرها إلى الآن لخصت حقيقة إيمان اليسار بحرية الرأى والاختلاف مع الآخر. قال وزير التخطيط الأسبق: إن داخل كل مثقف ويسارى مستبدا وسلطويا كبيرا لا يؤهله لقبول الاختلاف فى الرأى وحرية التعبير عن الموقف السياسى».
ما يجرى حاليا فى الساحة السياسية اليسارية ينطبق عليه رأى الدكتور اسماعيل صبرى عبدالله، رغم مرور 24 عاما، فهناك انقسام حاد يصل إلى حد «الفتنة السياسية» داخل تيار اليسار المصرى، وبالأخص داخل التيار الناصرى فى الموقف من تأييد ودعم المرشحين للرئاسة عبدالفتاح السيسى وحمدين صباحى. قامات ورموز التيار الناصرى والاشتراكى مثل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، والدكتورة هدى وعبدالحكيم عبدالناصر ابنى الزعيم الراحل، والدكتور عبدالحليم قنديل، والكاتب الصحفى عبدالله السناوى، والمخرج خالد يوسف، والوزير الأسبق سامى شرف، وسامح عاشور نقيب المحامين، والقيادى محمد الأشقر، والمناضلة شاهندة مقلدة، والإعلامى المعروف حمدى قنديل، ويوسف الحسينى وغيرهم الكثير من الناصريين واليساريين، يؤيدون المشير السيسى فى الوصول إلى الرئاسة، ويروا أنه الأجدر بحكم مصر رغم وجود مرشح منافس ينتمى تاريخا ونضالا إلى التيار الناصرى وهو حمدين صباحى.. فهل أخطأوا فى خيارهم السياسى، وإبداء رأيهم فى ترشيح السيسى واعتباره المرشح الضرورة لمصر فى هذا التوقيت والظرف السياسى الصعب؟.. فقد خرجت آراء وكتابات ناصرية تتهم هؤلاء «بالوقوف فى صف معسكر الأعداء» وخيانة المبادئ لمجرد أنهم مع المشير السيسى دون احترام الموقف والخلاف الديمقراطى فى الرأى السياسى، على طريقة «من كان مع السيسى فليس منا». رحم الله الدكتور اسماعيل صبرى عبدالله.