ليست المشكلة فى الحكم الذى أصدره المستشار سعيد يوسف صبرى رئيس محكمة جنايات المنيا بإعدام 37 إخوانيا، وإحالة أوراق 683 للمفتى، فهو يحكم بالقانون والأدلة والمستندات وشهادات الشهود، واستقر ضميره على النطق بهذه الأحكام المشددة، وأن مرتكبيها اقترفوا من الجرائم والأفعال ما يستوجب الحكم بإعدامهم، ولو عُرضت هذه القضية بظروفها وملابساتها على أى قاض آخر فى أى دولة متقدمة فلن يخرج حكمه عن هذا السياق، فالعدالة لا تعرف السياسة ولا الهوى، والقضاة لا يخضعون إلا لضمائرهم، ودعونا من إسطوانات الهجوم المشروخة لتفسير الحكم بعيدا عن الأطر القانونية متى توافر للمتهمين حق المثول أمام قاضيهم الطبيعى، وأتيحت لهم فرص الدفاع عن أنفسهم. المشكلة فى الفوضى العارمة التى اجتاحت البلاد بعد 25 يناير، فانتشرت الجرائم العشوائية الجماعية بعد سقوط الأمن، وانهيار هيبة الدولة، وسريان قانون الغاب، وإفلات المجرمين من العقاب والمحاكمة، وتصور البعض أن الثورة تعنى الحرق والقتل والنهب والسرقة، وتكرس هذا المفهوم خلال سنة حكم المعزول وأهله وعشيرته، فكانوا يعذبون ويقتلون ويمتلكون الأسلحة والمتفجرات تحت حماية الدولة المختطفة، ويقدمون الضحايا الأبرياء إلى المحاكمة، فأصبح القاتل ضحية، والقتيل متهما، وتراجعت قوة الدولة أمام سطوة الإخوان، وأُضعفت الشرطة لصالح ميليشيات الشاطر وبديع، وتحولت دولة القانون العريقة إلى الحكم خارج إطار القانون.
ولأن القضاء لم يستسلم للمعزول وجماعته، ودخل حربا شرسة مع دولة الإخوان، كان نصيبه التآمر والتشويه، وحوصرت المحاكم، وتعرض القضاة للاعتداء، ولأول مرة فى تاريخ مصر نرى رئيسا يهاجم القضاة بالاسم ويلوث سمعتهم، بينما من المفترض أن يكون راعيا لسلطات الدولة، ومحافظا عليها، ولكن ظلت هذه المؤسسة الشامخة قوية ومتماسكة ولم تستسلم، وخاضت معركة البقاء، حتى انحسر هجوم التتار، وسقطت دولة الفوضى، وبدأت الدولة الجديدة تداوى جراحها، وتلملم قوتها المبعثرة، وتواجه الجرائم الجماعية التى تصور مرتكبيها أن يد العدالة لن تصل إليهم. بماذا يحكم المستشار سعيد يوسف صبرى وأمامه أشرطة فيديو بالصوت والصورة للهجوم على مركز العدوة، والغوغاء يقتلون الضباط والجنود فى وحشية وهمجية، ويغزون كالجراد قسم الشرطة فيسرقون الأسلحة والأحراز، شاب يحمل فوق كتفيه بنادق آلية، ومتسول يرفع فى الهواء كلاشنكوف، وامرأة تسرق أنبوبة بوتاجاز، وأخرى تحمل تليفزيونا على كتفها، وصبية يستمتعون بحرق سيارات الشرطة، ومجموعة بلطجية يتشاجرون لخطف البنادق الآلية من بعضهم البعض، وآخر لم يجد شيئا فسرق مستندات وأوراق المحاضر فى كيس زبالة أسود والنار مشتعلة والدخان يملأ المكان، وجثث الضحايا ملقاة على الأرض، وتتعرض للركل والدهس بالأحذية، وسكب ماء النار والتجريد من الملابس؟
ليس ذنب هؤلاء فى رقبة القاضى الذى يحكم بإعدامهم لأنه يطبق القانون والشريعة ويرفع راية العدالة، ولكن ذنبهم فى رقبة مرسى وبديع والشاطر الذين هدموا أركان الدولة، وأسقطوا هيبة الأمن، وأطلقوا الكلاب المسعورة والوحوش القاتلة ليروعوا الأبرياء، ويزلزلوا أمن الوطن وسكينته وطمأنينته، وبعد ذلك يبكى «كدابين الزفة» على العدالة واستقلال القضاء، ويرفعون فزاعة عودة الدولة البوليسية.