كان التتار على أبواب مصر، وكانت الأمة الإسلامية كلها مهددة بالتدمير على يد حفنة من الرعاع.. حضارتنا كانت فى مهب الريح، وإرثنا وتاريخنا كانا عرضة للضياع الكامل، كانت المشاهد المأساوية تتداعى على الأذهان كقطار مسرع يمر أمام عينيك فى «لمحة بصر»، لا ترى فيه تفاصيل كثيرة، لكن صوته يقبض قلبك، ووقع عجلاته على القضبان يفزعك.
كان الجميع خائفًا من أن تلقى القاهرة مصير بغداد، فينتهك أزهرها، وتدمر مكتباتها، وتدنس جوامعها، وتستحل نساؤها، ويستعبد رجالها، وما ضاعف الخوف هو أن مصر وقتها كانت تمر بـ«مرحلة انتقالية» ما بين حكم الأيوبيين وحكم المماليك.. كان القصر مضطربًا، وشهد كرسى الحكم فى سنوات معدودات توافد أكثر من ستة أمراء على طياته الوثيرة، هم بالتتابع: نجم الدين أيوب، ثم ابنه المعظم توران شان، ثم شجرة الدر، ثم عز الدين أيبك، ثم ابنه المنصور، ثم سيف الدين قطز، وكانت مصر تبحث عن الاستقرار الداخلى بأى ثمن، بينما الأعداء على الأبواب يستعدون للانقضاض على الجسد المنهك.
إذا ما قارنا هذه الأوقات العصيبة التى مرت بها مصر منذ ما يقرب من ثمانية قرون بما نمر به الآن، سنجد أن هناك الكثير من التشابه بين الحالتين، اقتصاد منهك، ركود وفساد، تهديدات داخلية، معارك على الأبواب، سياسة مضطربة، قبضة مرتعشة، حاجة ملحة للأموال والعتاد للاستعداد للمعارك المستقبلية، وكعادة الحكام الذين يستغلون هذه الظروف العصيبة، حاول سيف الدين قظر فرض ضرائب جديدة على أبناء مصر، وحجته فى هذا كانت أن البلاد «فى شدة»، والخزانة خاوية، والأخطار تحدق بالبلاد والعباد، لكن وقتها كان فى مصر الإمام العز بن عبدالسلام الذى عارض هذه الضرائب بشدة، وأجبر «قطز» على أن يفرض ما يمكن أن نسميه الآن «الضرائب التصاعدية»، بحيث يتم تحصيل الضرائب أولًا من أمراء المماليك الذين كانوا يكنزون الذهب والفضة، لا نأخذ من الفقير لقمته، بينما الأغنياء يأكلون بالملاعق الذهبية.
انظر الآن إلى ما يجرى من رفع لأسعار الغاز والمحروقات والكهرباء على المواطن البسيط فى المنازل، برغم أن تلك المواد لا تستخدم إلا فى ضرورات الحياة، بينما يظل مشروع الضريبة التصاعدية عالقًا فى أدراج الحكومة، ويظل الحد الأعلى للأجور ميتًا فى أفواه المطالبين به، وتظل المنتجعات السياحية والكامبوندات الفاخرة تتحصل على الغاز والكهرباء بنفس السعر الذى يحصل عليه خالد الذكر، محدود الدخل.