فى طريق الحياة، نرى أناسًا طبعوا بصمات وآثارًا فى حياة آخرين؛ إما سلبًا وإما إيجابًا. ليكن لك الأثر الإيجابى فى حياة كل من تلقاه؛ فكل عمل إيجابى تقدِّمه إلى الآخرين يُعْلى من قيمتك أمام الله، وأمام نفسك، وفى حياة البشر. وإن كنا فى كثير من الأحيان نتوقف ونتساءل: هل يستحق الآخرون أن نقدم الخير إليهم؟ وهل سيتذكرون ما قدَّمناه؟ وتختلف الإجابات بين نعم ولا، وإن كنتُ أثق أن كل خير يقدمه الإنسان لمن يجتاز بهم فى طريق الحياة هو أول من سيجنى ثماره الطيبة. الخير الذى يقدَّم، وإن أنكره العالم أو نسِيه، فهو غير مَنسِى قدام الله. وأيضًا من يقدِّم الخير يُدرك المعنى الحقيقى للسعادة عندما يراها وقد ترسَّمت فى حياة الآخر. وإن نسِى كثيرون ما قُدم إليهم، يوجد من يتذكر. إن الخير الذى نقدِّمه إنما هو إلى حسابنا لا منه؛ إنه يُضيف إلينا، لا ينتقص منا.
قرأتُ قصة عن شاب هو وحيد أمه الأرملة، وقد تخرج من الجامعة بترتيب الأول فى دفعته. وكان يستعد لحفل التخرج الذى كان مقررًا أن يتسلم فيه نيشانًا خاصًا من رئيس الجامعة، مع ميدالية ذهبية لنبوغه فى إحدى مواد دراسته. وجاء يوم الاحتفال، ولاحظ الابن أن والدته لم تستعد للذهاب، فسألها: "لقد اقترب موعد الاحتفال وأنت لم تستعدى بعد للذهاب معى؟" أجابته الأم: أنت تعلم أن هٰذا الحفل سيأتى إليه أغنياء المدينة، وأنا لا أريد أن أسبب لك حرجًا بسبب ملابسى الفقيرة؛ فأخشى أن تخجل مني! قال لها: ماذا تقولين يا أماه؟ أأنا أخجل منكِ؟! إنى مَدين لكِ بكل شيء! فكل ما حصَلتُ عليه هو ثمار محبتكِ وتعبكِ، ولن أذهب إلى الحفل من دونكِ. وأصر الشاب أن تصحبه أمه إلى الحفل، فسارا معًا حتى دخلا قاعة الاحتفال، وجلست الأم بين الأغنياء، فى حين جلس هو على المنصة كأول الدفعة. قدم رئيس الجامعة إليه نيشانًا وميدالية ذهبية بعد أن أثنى كثيرًا على جُهده ونبوغه. وبينما علا تصفيق الجميع، حمَل الشاب الميدالية بين يديه متجهًا إلى والدته وثبتها فى ملابسها. وقال: إن هٰذه الميدالية من حقكِ يا أماه، أنتِ من يستحقها! فكل ما فى من نجاح أو نبوغ هو من صنعكِ أنت! ولم يخجل الابن الوحيد من أمه الفقيرة؛ التى قدَّمت وبذلت ليصبح إنسانًا ناجحًا.
إن العطاء والخير اللذين نقدمهما للبناء فى طريق الحياة هما النيشان الحقيقى الذى يعلق فى صفحات تاريخ أيامنا معطيًا لها كل معنًى وكرامة. إنهما الكَنز الذى لا يمكن أن يُسرق أو يَتلف. قرأتُ كلمات أعجبتنى بعنوان "لا تتغير" تقول:
"متى كنتَ طيِّبًا، ربما يتهمك الناس بأن لديك دوافع خفية من الأنانية، لا تتغير، كُن طيِّبًا.
ربما الخير الذى تصنعه اليوم قد ينساه الناس غدًا، لا تتغير، اصنع الخير.. .
إن كل أمور حياتك هى بينك وبين الله، لا بينك وبين الناس، فلا تتغير.".
إن كنت صانع خير فاستمر، وإن كان قد صنع أحدهم إليك خيرًا فلا تنسَه، وقدِّم الخير إلى آخرين لتستمر دائرة صنع الخير فى الحياة و... وعن الحياة ما زلنا نُبحر.. .
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة