الموت المجانى فى الصعيد

أجل.. نحن فى القرن الحادى والعشرين، ولسنا فى القرن التاسع عشر! لكن يبدو أن كثيرًا منا ما زال يعيش فى كهوف الماضى، وهذا ربما يفسر لك الجريمة البشعة التى راح ضحيتها 25 شخصا فى الصعيد أمس الأول، بسببب جرائم ثأر.
وفقا لما هو منشور فى صحف أمس، فإن النيران اشتعلت فى صدور قبيلتى «الهلايل» و«الدابودية»، بسبب معاكسة فتاة كما يقال، وقد استغلت تيارات التشدد الإسلامى الموقف لتؤجج النار فى المشهد كله، لكن قبل أن نلقى التهمة على ثقافة الثأر المتغلغلة فى عقول كثير من أهلنا فى الصعيد علينا أن نسأل:
> لو كانت جكوماتنا طوال أربعين سنة قد اعتنت بهذا الجزء العزيز من الوطن، فحققت قدرًا مقبولا من التنمية، ووفرت لملايين الشباب هناك فرص عمل كريم ولائق.. لو كانت، فهل كنا سنرى هذه المجزرة التى حدثت قبل يومين؟
> لو سمح نظام السادت ومبارك للفكر الحر المستنير بالانتشار والرواج، بدلا من اعتقال أصحاب هذا الفكر والتضييق عليهم.. لو كان.. ألم نكن قد كسبنا شبابًا أكثر وعيًا وإدراكا وفهمًا لما يحدث.. شبابًا تخلص من ثقافة الثأر الغبية، وأعلن انتماءه لدولة القانون مادامت تحقق له العدل المنشود؟
> لو كانت أنظمتنا الغافلة قد انتبهت مبكرًا للدور المشبوه لتيارات التأسلم السياسى فى إفساد عقول الشباب، خاصة فى المناطق النائية المهملة.. ألم نكن قد قطعنا دابر هذا الفكر المعوج، وأنقذنا شبابنا من السقوط فى مستنقع الآراء المعطوبة التى تدمر وتخرّب؟
> لو كنا نعزز فضيلة إتقان العمل التى غابت بشكل مزعج.. ألم نكن قد حاولنا إيقاف المذبحة بعد سقوط أول قتيل؟ لقد غابت الحكومة يومين كاملين عن المشهد، بينما الدم يسيل على الأرصفة، والجثث تتراكم فى الشوارع، فهل هذا معقول؟
لقد أحسن زملائى فى «اليوم السابع» حين كتبوا هذا العنوان على صدر عدد أمس (الصعيد مفيهوش حكومة)، لكنهم فى غمرة أحزانهم، نسوا أن يضيفوا أن مصر كلها بلا حكومة حقيقية.. تملك الكفاءة والقدرة على الفعل، وهى مصيبة ندفع ثمنها يوميًا!