ما حدث فى أسوان بين قبيلتى الدابودية والهلايل هى مجزرة بكل معنى الكلمة وكارثة إنسانية لم تحدث كثيرا بهذه التفاصيل المأساوية، وفى المحافظة التى نعتبرها جنوب الصعيد الهادئ والمدينة السياحية الأشهر فى مصر، التى تختلف فى تركيبتها السكانية وطبيعتها الجغرافية عن باقى محافظات الصعيد، وبالتالى لم تشهد جرائم وحوادث ثأر وأحداث عنف مثلما حدث بين القبيلتين يوم الأربعاء الماضى.
من الضرورى أن نحمل المسؤولية للدولة بمؤسساتها الأمنية التى تركت الأحداث تتصاعد من نزاع بين طلبة مدارس، بسبب عبارات مسيئة تطعن فى شرف قبيلة ضد قبيلة أخرى، وكان يمكن أن تمر الحادثة إذا تدخل العقلاء وسارع المسؤولون فى المحافظة لإخماد نار العصبية والصراع بين القبيلتين فى مهدها دون الانتظار حتى تشتعل وتتدخل أطراف أخرى لإذكاء الفتنة وصب الزيت على النيران وحصد أرواح 23 شخصا فى مجزرة بشعة.
الحادثة إذن ليس لها أبعاد سياسية بالمرة، وإنما استغلها من لا يريد الخير لهذا الوطن فى ظل غياب تام للدولة ومؤسساتها وتقصير واضح من الأجهزة المحلية والأمنية بالمحافظة - وفقا لروايات الشهود - فالمحافظ ومدير الأمن وجهاز الأمن الوطنى غضوا الطرف عن بداية اشتعال الأحداث ثم صرخوا للاستعانة بقوات الجيش بعد أن خربت مالطة، وبدأت آلة الموت تحصد فى أرواح أبناء القبيلتين.
هل يمكن تحميل الشرطة وحدها مسؤولية مجزرة أسوان؟.. لا بد أن نعترف بأن هناك تقصيرا من الشرطة التى لم تفعل شيئا لوقف المجزرة والتدخل لحظة استشعار اشتعالها، بدلا من اتهام «الطرف الثالث»، ولا بد من محاسبة المسؤول الأمنى الأول فى المحافظة الذى تعامل على أنها «خناقة» وسوف تنتهى دون أن تكون لديه المعلومات الدقيقة عن الأوضاع المحتقنة بين القبيلتين، والتى كشفت الأحداث أنها صراعات قديمة ساعد غياب الدولة المركزية على إيقاظها وغياب لجان إدارة الأزمة. المجزرة تحمل فى دلالاتها مؤشرات خطيرة للغاية تخص تغير التكوين النفسى والاجتماعى للإنسان المصرى، والتحول السلوكى من التسامح والطيبة إلى الكراهية والعنف، خاصة عندما نتحدث عن أهل أسوان، الأمر الثانى هو حالة الاستهزاء بهيبة الدولة والتقليل من قدرة أجهزتها على مواجهة الأحداث فى ظل انتشار كميات هائلة من السلاح فى الشارع المصرى. الدولة هنا بكل أجهزتها عليها التحرك بأقصى سرعة لوأد فتنة الحرب الأهلية وتعرض سلامة الأمن الاجتماعى للمصريين للخطر.