محمد الدسوقى رشدى

دومة وماهر وعلاء يكتبون وثيقة تجديد الخطاب القضائى

الأربعاء، 09 أبريل 2014 10:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«1»
يقول الراوى بصوت فخيم: «لا تعليق على أحكام القضاء»، وفى الجزء الثانى يقول نفس الراوى بصوت أكثر فخامة: «القضاء مستقل»، وفى الجزء الثالث يختار صناع الأسطورة كورال من الأصوات الفخيمة ليرددوا مع الراوى قائلين: «القضاء الشامخ عندنا».

«2»
يقول التعريف العلمى إن «الأسطورة» هى الحكاية ذات الأحداث الخيالية العجيبة الخارقة للعادة أو تلك التى تعبر عن وقائع تاريخية قامت الذاكرة الجماعية بتغييرها وتحويلها وتزيينها، وفى دراسة عن الأساطير أصدرتها دار المعارف البريطانية يتم تعريف الأسطورة بأنها شائعة أصبحت جزءاً من تراث الشعب الشفهى، وفى المعجم الوسيط يقولون والأُسطورة جمعها أساطير والمقصود بها الحكاية التى ليس لها أَصل .

«3»
ليس مطلوبا منك التعليق على أحكام القضاء لكى يفهم الناس الأعراض الجانبية للحكم على أحمد ماهر وأحمد دومة، وليس مطلوبا منك أن تهاجم القضاء أو تبحث عن فساد فيه أو تشكك فى استقلاليته لكى تفهم سر هذه السرعة فى القبض والتحقيق ومحاكمة دومة وماهر وعلاء سيف وسجنهم بشكل نهائى لمدة 3 سنوات، بتهمة التظاهر دون ترخيص.. فقط هكذا لا حرق ولا تدمير ولا قتل ولا إرهاب مجرد التظاهر دون ترخيص، بينما قضايا مبارك الرجل الذى حرق ماضى مصر ومستقبلها وقضايا مرسى الذى تخابر وتجسس وباع أمن مصر القومى للأجانب وهدد بإشاعة الفوضى والدم، وصدق لا نعرف لها رأسا من قدم، وقضايا حبارة الذى اعترف بقتل 25 جندى مصرى والبلتاجى الذى اعترف على نفسه فى فيديو شهير بأنه يعرف سر الفوضى فى سيناء لم يصدر فيها حكم أولى ولم نسمع أن حكما نهائيا على مجرميها قد اقترب أن يصدر، ولم نرَ العدالة الناجزة التى يبرر لنا بها البعض ما حدث مع دومة وماهر قد رفرفت بجناحيها فوق المحاكم التى تمتلئ بالقتلة والفاسدين والإرهابيين.

«4»
فى الوطن الذى يغضب مذيعوه ومثقفوه وأهل نخبته ورجال حكومته من حكام مباريات كرة القدم لأنهم يطبقون القانون بحذافيره ويفسدون المباريات الهامة بالقرارات القاسية التى تضع فى حسبانها ظروف البيئة المحيطة ويدعون حكام المباريات لتطبيق روح القانون، يقف نفس الشخوص بوجوه مكشوفة ساخرين ورافضين ومتهمين كل من طالب بتخفيف الحكم على دومة وماهر أو العفو عنهما، أو قال بأن الحكم القضائى لم يرعَ الظروف المحيطة بالقضية أو الظرف الراهن الذى تعيشه مصر بأنهم جهلة بالقانون ويسعون لنشر الفوضى، ويتدخلون فى شؤون القضاء ويهدفون إلى زعزعة استقلاله، وبعيدا عن الألفاظ الرنانة والمصطلحات الصاخبة يكمن فى روح كتب القانون معانٍ كثيرة تقول بأن تفهم القاضى للواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى لزمن صدور الحكم ووضع ذلك فى اعتباره قبل إصدار أى حكم قضائى لنجح القاضى فى القضاء على كثير من العوارض والآثار الجانبية والأزمات فى مهدها، وفى تأكيد ذلك عدد من الأدلة لا يمكن أن تغفلها أشهرها قضية بنات الأسكندرية التى استغلها الإخوان للعودة إلى المشهد وتشويه صورة مصر فى الخارج وتشويه صورة القضاء المصرى ثم قضية إعدام 529 شخصا فى قضية واحدة.

وقبل أن تتهور وتعد السابق من الكلام دعوة للتدخل فى الشأن القضائى، وهدم استقلاله، لابد أن تدرك أولا أنا المغزى هنا ملخصه يقول بإنه لا يمكن فصل الأحكام القضائية عن الظروف المحيطة بها لأن القاضى نفسه جزء من المجتمع وهو أحرص الناس على استقراره، وواجب عليه أن يبحث فى فضاء القانون ولا يغفل الأخذ بما يحقق الاستقرار ويدفع شر الانقسام والغضب والاحتقان فى وطن ملتهب ولا يتحمل اعتصاما جديدا أو غضبا شبابيا آخر.

«5»
أن تطلب مراعاة القضاء للظرف السياسى والاجتماعى الراهن ليس عيبا ولا جريمة ولا انتهاكا لاستقلال القضاء الذى لا تملك أنت دليلا واحدا على عدم تعرضه مسبقا لذلك، ولا أعرف كيف تأتيك الجرأة على أن تطلب بصرخة عالية من الشيوخ والفقهاء وعلماء الدين أن يتعاملوا مع النصوص القرآنية والربانية بفهم ومراعاة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والزمن الراهن قبل إصدار فتوى أو حكم شرعى، بينما تخشى وتخاف وتعده من الجهل والخيانة أن يطلب أحدهم من القضاة تفهم الظروف المحيطة بالقضية محل النقاش وطبيعة الظرف الراهن قبل إصدار الحكم، ألا تجد أنه من الغريب معايرة الشيوخ ووصفهم بالتخلف والتشدد إن لم يراعوا الظروف الراهنة قبل إصدار الفتاوى والأحكام الشرعية رغم أنهم يتعاملون مع نص إلهى، بينما ترفض إطلاق نفس أوصاف التشدد والتطرف على القضاة رغم أنهم يتعاملون مع نصوص قانونية بشرية؟

«6»
دومة ليس متهما بتفجير 3 مديريات أمن لم نعثر لهم حتى الآن على متهم، وماهر ليس متهما بقتل 25 جندى مصرى عثرنا على فاعلها ولم ننه محاكمته حتى الآن، وعلاء سيف ليس متهما بإلقاء المولوتوف بالجامعات أو ذبح مواطن مصرى فى المنصورة أو التخابر والتجسس على مصر من داخل قصر الرئاسة، والحديث عن التعامل القضائى القاسى مع الشباب الثلاث وسرعة إصدار الأحكام عليهم مقارنة بما يحدث مع آخرين أكثر خطورة على مصر ومستقبلها ليس عيبا ولا محرما، والتأكيد على أن هذا التعامل يوحى بأن هناك من يرغب فى الانتقام من شباب الثورة، ليس هراء ولا تخيلات مرضى بل استنتاج لا يمكن إغفاله من واقع قاسٍ وعبثى ومضطرب، والنداءات بضرورة التدخل لحل الأزمة وتخفيف العقوبات ليست انتهاكا للقضاء أو تعبيرا على أن جيل الشباب لا يحب دولة القانون ولا يحترمها، لأن الدولة نفسها أول من تنتهك القانون، وأنت أول من يصفق لها، بدليل صمتكم وترحيبكم بمحاولاتها العرفية لحل أزمة أسوان.

بالقانون الدولة تستطيع تصحيح الخطأ، بالقانون الدولة تستطيع سد الثغرات التى يتسرب منها الغضب، وتتسبب فى تكوين نواة اعتصام جديد أمام الاتحادية لن تستطيع الدولة هذه المرة فضه بالقوة لأن وجود دم جديد على أرض الاتحادية سيجعل من النظام الحالى صورة بالكربون من نظام الإخوان الذى كانت الاتحادية أول مسمار فى نعشه، الدولة تستطيع أن تصدر عفوا رئاسيا عن شباب مظلوم كل جريمته أن تظاهر ضد قانون معيب يصادر حق الإنسان فى التظاهر، القضاء كان أمامه المادة «17» من قانون العقوبات التى تؤكد على أنه إذا رأت المحكمة من ظروف الواقعة أو ظروف المتهم أو حالته الاجتماعية ما يمكن بسببها أن تستعمل العقوبة المخففة فلها ذلك، ومع ذلك لم تفعل، الدولة تستطيع وأد الكثير من الفتن قبل اشتعالها، ولكن يبدو أنها تفتقد الذكاء لتفعل ذلك، والأخطر أنها لا تملك عقولا فى «سطلتها» قادرة على استيعاب الفكرة القائلة بأن أى قرار رسمى فى الظروف الصعبة لا يجب فقط أن يخضع لدراسة بل يجب أن تسبقه دراسة أعراضه الجانبية على الهدف الأسمى للوطن.. وهو الاستقرار.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة