كان أول كتاب يصدر له سنة 1983 عن دار «التنوير» فى «بيروت» هو «ميتافيزيقا الفن عند شوبنهاور» الذى كان رسالته للماجيستير، وكان آخرها، على ما أعتقد، هو كتاب «نشيج على خليج.. حكايات وافد على بلاط النفط» الذى صدر عن دار نشر ميريت قبل ثورة يناير بـ4 سنوات، وكان بين الكتاب الأول والكتاب الأخير 12 كتابا تأليفا وكتابين ترجمة، وكل خاطرة من هذه «الخاطرات» كانت تفتح بابا واسعا للتأمل المنتشى العميق، ولكن لماذا «الخاطرات» وليست «الخواطر»؟ يقول سعيد توفيق: «ليس هذا الكلام الذى أقوله هنا بمقالات فلسفية خالصة، ولا هو بمقالات أدبية خالصة، إنما هو كلام يقع فى منطقة بين هذا وذاك، إنه التفلسف الذى يريد أن يعبر عن نفسه بطريقة أخرى غير طرائقه المعروفة»، نعم، نحن بصدد فيلسوف يتأمل لنا الحياة بحكمة الفيلسوف بأدوات الشاعر، ويا لها من تقنية عالية من الصنف الممتع الذى يحيل قضية «الشكل والمضمون» الأزلية إلى المتحف الفلسفى وفى نفس الوقت إلى متحف النقد الأدبى، لتتحول فى بساطة ويسر وسهولة إلى عملية بارعة لـ«تشكيل المضمون» فيصبح الشكل هو المضمون ويصبح المضمون هو الشكل، عملية تشكيل قضايا فلسفية عقلية جافة بشكل أو آخر بقلم شاعر، يقول سعيد توفيق: «لقد أسميت دقات التأمل هذه بالخاطرات... فلماذا اخترت كلمة خاطرات بدلا من كلمة خواطر؟» ويجيب بنفسه على السؤال الذى طرحه، ويجيب بأن «ذائقته الأدبية التلقائية» هى التى أوحت له بهذه التسمية، هذه البساطة تستدعى منا – نحن القرّاء- العودة لبدايات الصبا والشباب، فمن منا نحن تلاميذ المدارس الثانوية وطلبة الجامعة لم يكتب خواطر؟ من منا نحن التلاميذ وطلبة الجامعة لم يدفعه وجدانه لمحاولا الكتابة تعبيرا عن عواطفه البريئة؟ هنا استبطن سعيد توفيق ذائقته الأدبية وعقله الفلسفى ليفرق فى تواضع وعدم تعالى الفيلسوف على قارئه ليفرق بين «خواطر» الهواة و«خاطرات» الفلاسفة بالرغم من أن المعنى اللغوى لا يفرّق كثيرا من حيث المعنى عن اللفظين، فـ«خواطر» جمع مذكر لـ«خاطر»، و«خاطرات» جمع مؤنث لـ«خاطرة»، ولكن المسألة هنا ليست بين «جمع المذكر» و«جمع المؤنث» بل المسألة هنا هى أن «الكلمة» فى اللغة العربية هى كائن حى يكتسب معناه من المجتمع الذى يعيش فيه ويتطور أو ينقرض لأسباب متعددة، إنها الفلسفة التى تجعل الفيلسوف يكسب الكلمات فى لحظة زمنية ما معنى حقيقيا لم يكن لها فى لحظة زمنية أخرى الفلسفة إذن «محبة الحكمة» أو «طلب المعرفة»، وكل من درس الفلسفة يعرف أنه «على الرغم من هذا المعنى الأصلى، فإنه يبقى من الصعب جدا تحديد مدلول الفلسفة بدقة، لكنها، بشكل عام، تشير إلى نشاط إنسانى قديم جدا يتعلق بممارسة نظرية أو عملية عرفت بشكل أو آخر فى مختلف المجتمعات والثقافات البشرية منذ أقدم العصور، وحتى السؤال «ما هو الفلسفة» يعد سؤالاً فلسفيّاً قابلاً لنقاش طويل، وهذا يشكِّل أحد المظاهر الأساسية للفلسفة فى ميلها للتساؤل والتدقيق فى كل شىء والبحث عن ما هيته ومختلف مظاهره وأهم قوانينه، لكل هذا فإن المادة الأساسية للفلسفة مادة واسعة ومتشعبة ترتبط بكل أصناف العلوم وربما بكل جوانب الحياة، ومع ذلك تبقى الفلسفة متفردة عن بقية العلوم والتخصصات، توصف الفلسفة أحيانا بأنها «التفكير فى التفكير»، أى «التفكير» فى «طبيعة التفكير» والتأمل والتدبر، كما تعرف الفلسفة بأنها محاولة الإجابة عن الأسئلة الأساسية التى يطرحها الوجود والكون»، سعيد توفيق هنا يجسد هذا المعنى فهو فى «خاطراته» محب للحكمة، باحث عن المعرفة، وللحديث عن «الخاطرات» بقية.