البيان الأخير لجماعة الإخوان المسلمين، يشير بوضوح إلى أنه يريد أن تكون الدولة المصرية عادلة وقوية وذات مؤسسات منتخبة من الشعب ووفقا للقانون والدستور، وكان التحالف الوطنى لدعم الشرعية قد أسس استراتيجيته على إرهاق الدولة المصرية، وإضعاف مؤسساتها وإنهاكها حتى يتم سقوطها، لكى تقوم على أنقاضها دولة التحالف الوطنى لدعم الشرعية والتى هى دولة الخلافة الإسلامية. البيان أسرف فى شرح ما جرى لمصر منذ حكم عبدالناصر عام 1952، وأكد بوضوح أنه يريد حكما الشعب فيه هو المنشئ للمؤسسات، والدستور هو المصدر الأعلى للقوانين، والبرلمان هو الذى يراقب، وهو ما قد يفهم معه أن الجماعة تستعد لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة، حتى تضع برنامجها فى بيانها موضع التأسيس، أن يكون الإخوان جزءاً من الدولة المصرية، وإن كانوا يعارضون نظامها السياسى، هنا عودة فى تقديرى وقراءتى للتدافع على أرضية الدولة، وليس فى مواجهتها كما هو حادث الآن.
روح البيان وما تخفيه السطور، يشير إلى خطاب إصلاحى ودعوى وليس إلى خطاب ثورى راديكالى، إنه عودة لبيانات الإخوان فى عصر مبارك، حتى البيان لم يشر إلى شرعية حكم الإخوان فى السنة التى حكموا فيها مصر، ولكنه أشار إلى الحكم المدنى لمصر سنة، انقض بعدها العسكر على ذلك الحكم، وإذا كان الإخوان فى هذا البيان يتحدثون عن دولة مصر القوية بمؤسساتها، فإنهم يرون أن عنوان ضعف المؤسسات التى يجب أن تقوى، وأن يتم تغييرها عبر الإصلاح والتصحيح الداخلى، وعن طريق الشعب والانتخابات البرلمانية – هو الحكم عليهم ظلما من خلال مؤسسات القضاء التى يسيطر عليها الجيش، ورغم الظلم الذى يتعرضون له، فإنهم سائرون فى طريق الدعوة، وفى طريق الإصلاح وفى طريق المشاركة بالضرورة حتى يمكن للتغيير أن يتم من الداخل، وعبر التدافع البرلمانى والحزبى.
يبدو أن البيان أزعج التحالف الوطنى لدعم الشرعية، فصدر توضيح له كان أكثر إجلاءً للغموض الذى تستر بالكلمات من جانب جماعة الإخوان المسلمين، حيث جاء فى التوضيح على بوابة الحرية والعدالة، أن «الإشارة فى البيان إلى الانتخابات البرلمانية لا تعنى الدعوة إلى المشاركة فى هذه الانتخابات» – لا توجد هذه العبارة فى التوضيح الموجود على بوابة الإخوان المسلمين، كما أن المصدر فى بوابة الإخوان الذى أدلى بالتصريح، قيل إن التصريح مكتوب له – أى كتبه أحد للمصدر – بينما فى بوابة الحرية والعدالة هذه العبارة غير موجودة.
يبدو لى أن الإخوان المسلمين يريدون العودة إلى مسارهم التقليدى بعيداً عن المسار الذى يأخذهم إليه التحالف الوطنى لدعم الشرعية، كما أن المجموعة التى أصدرت وثيقة بروكسل بمبادئها العشرة، لم تصدر الجماعة موقفاً واضحاً منها، يبدو أن ضغط الدولة المتزايد على جماعة الإخوان يجعلها تعيد التقدير فى المضى قدما إلى نهاية الشوط مع المجموعات التى تحالفت معها بعد 30 يونيو، وأنها تقرر أنها ستعود إلى فعلها الإصلاحى من داخل الدولة، وعلى أرضية مؤسساتها وليس فى مواجهتها ومن خلال اصطناع ثورة إسلامية.
أعتقد أن مشروع التحالف بخطه الثورى من منظور المشاركين فيه القائم على مواجهة الدولة وإسقاطها يتعرض للتفكك، وأن جماعة الإخوان ترضى من الغنيمة بالإياب، ولكنى أخشى أن يكون إيابا فى غير موعده، لكن لابأس فقد يكون له موعد قادم، ولكن لنبدأه من الآن، يبدو أن عبء الآخرين على الجماعة أكبر من قدرتها على الاحتمال والاستمرار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة