ربما كانت البطالة هى القضية الأهم بالنسبة للمصريين اليوم، وهى الموضوع الأهم أمام أى رئيس أو نظام قادم، والحل لا يتوقف فقط على توفير عدة فرص عمل هنا أو هناك. لكنه يتعلق بتأهيل المواطنين لتولى المناصب المهمة، والوظائف الدقيقة التى تحتاجها التنمية. وهناك أوضاع خاطئة، أولها تراجع التعليم الحكومى أمام التعليم الخاص، والأجنبى، فالأخير يخرج طلابا متميزين فى اللغات والإمكانات، بينما يبقى التعليم الحكومى عاجزا عن تأهيل المواطن لينافس فى سوق العمل، وهو تمييز من المنبع. وبالتالى لا يمكن الحديث عن مساواة، من دون أن يتساوى المواطنون فى فرص التعليم، وبعد ذلك فى سوق العمل.
وتأتى النقطة التالية وهى ضرورة تغيير الطريقة التى أدت إلى أن يحتل المناصب الفضلى، أبناء الكبار. وهو توريث يتجاوز التوريث السياسى. وقد أن سادت قاعدة خلال العقود الأخيرة بأن أبناء المسؤولين يتوارثون مناصب آبائهم فى القضاء والجامعات، والدبلوماسية والبنوك والشرطة، وحتى المؤسسات الخدمية كالكهرباء والمياه والاتصالات. وهى قواعد لا أساس لها فى القانون ولا الدستور، لكنها فرضت نفسها، وأصبحت أقوى من القانون والدستور.
سياسة التوريث التى تتبادل فيها المناصب بغض النظر عن الكفاءة. أنتجت مسؤولين ضعفاء وبلداء، وفى الجامعة أصبح الكثير من الأساتذة الذين صعدوا بتفوقهم لا يمانعون فى تسكين أبنائهم. واختفت أو كادت أى حركة إيجابية للتغيير أو التبديل بهدف ضخ دماء جديدة. وقد أنتجت عملية التوريث قيادات ضعيفة أو عاجزة، كما أطاحت بالمتفوقين، إما إلى الإحباط، أو إلى الخارج، وحرمت البلد من الكفاءات والمواهب.
وحتى لو كان التوريث انتهى فى الرئاسة والسياسة، فهو مستمر فى كل التخصصات والمؤسسات، ولهذا ظلت بنية الحكم طوال 30 عاما واحدة نفس الوجوه فى البرلمان والحكومة والمناصب الرفيعة، ضمن سياسة التأبيد التى يسمونها دلعا «استقرارا»، ومن يركب لا ينزل أو يترك لغيره الفرصة. ويجهز لأبنائه وأحفاده. والتوريث فى الوظائف يشبه زواج الأقارب المتتالى من أجيال متعاقبة، لا ينتج سوى الأمراض الوراثية والعاهات.. مصر تستحق أفضل من ذلك. وبالتالى فإن المشكلة الرئيسية التى تواجه النظام فى مصر هى إعادة بناء النظام التعليمى والإدارى، بما يعيد قيمة التفوق، وينهى خطر التوريث.