التفتيش فى الدفاتر القديمة هى حيلة المفلسين، لذلك لا أندهش كثيرا حينما أسمع مفكرا من «مفكرى الطبل الأجوف» الذين يصدعوننا فى الفضائيات ليلا ونهارا بنظرياتهم وهم يقولون إن حمدين صباحى لا يصلح لإدارة الدولة ويستدلون على هذه المقولة الزائفة بأن جريدة «الكرامة» التى أسسها حمدين صباحى لم تتفوق فى أعداد توزيعها على الجرائد الأخرى، وللأسف نالت هذه المقولة رواجا كبيرا لسببين: الأول تكرارها كثيرا على ألسنة مفكرى الطبل الأجوف المنتشرين فى الفضائيات، والثانى أنها تبدو بهذا الطرح المغلوط «منطقية» لكن الحقيقة على العكس من ذلك تماما، وهذه هى الأسباب.
أولا جريدة الكرامة لم تكن جريدة خاصة، بل جريدة حزبية تلتزم بما تلتزم به كل الجرائد الحزبية بداية من الترويج للحزب وحتى خوض معاركه وتبنى أفكاره، ولذلك لا يجب أن نقارن جريدة الكرامة بالجرائد الخاصة الأخرى، وإن أردنا الإنصاف لعقدنا مقارنة بين الكرامة التى تعبر عن وجهة نظر «حزب الكرامة» وجريدة الحرية والعدالة التى تعبر عن «حزب الحرية والعدالة» أو جريدة الوطنى اليوم التى كانت تعبر عن الحزب الوطنى أو جريدة الوفد التى تعبر عن حزب الوفد، ولو كانت رئاسة الجمهورية حق لمن يتصدر أرقام التوزيع بين الجرائد الحزبية دون النظر إلى شىء آخر لأصبح «سيد البدوى» رئيسا لمصر لأن جريدة حزب الوفد تتصدر أرقام توزيع الجرائد الحزبية.
ثانيا ينسى من يروجون لمقولة «حمدين كويس بس جرناله فاشل» أن جريدة الكرامة ظهرت فى عز جبروت الحزب الوطنى، وكان هذا الحزب بزبانيته يتفننون فى وأد الجرائد المعارضة، بداية من الإغلاق بالقوة الجبرية كما حدث مع جريدة الدستور الأولى، أو عن طريق تضييق الخناق ومحاصرة المعلنين وتهديد بائعى الجرائد كما حدث فى العديد من الحالات أشهرها الدستور الثانية والبديل والطريق وغيرها، وحينما يتجاهل البعض هذه الظروف التاريخية المميتة ثم يقول «حمدين كويس بس جرناله فاشل» فكأنه يلوم الجمل على أنه لم يستطع أن يدخل فى «خرم الإبرة».
ثالثا ينسى من يرددون مقولة «حمدين كويس بس جرناله فاشل» إن الجرائد الشهيرة التى تحقق أرقام توزيع عالية هى مؤسسات صحفية متخصصة، يملكها مستثمرون كبار وينفقون عليها عشرات الملايين على ما يقرب من ثلاث سنوات على الأقل دون أن يحصلون على ربح يذكر، وهذا بالطبع ما لم يتوفر لـ«الكرامة» ولا يشترط بعد إنفاق هذه الملايين أن تربح الجريدة أو تحقق نجاحا كبيرا، والأدلة على هذا أوضح من أن نشير إليها.