«أُوصيكَ أن تَستَحى مَنَ اللهِ تعالى، كما تَستَحى مِن الرَّجلِ الصَّالِحِ مِن قومِكَ» جملة بسيطة واضحة مباشرة كعادته لخص بها النبى صلى الله عليه وسلم معانى كثيرة وقيما عميقة، بتلك الكلمات الموجزة بين النبى أن هناك حياءً من الرجل الصالح وأظهر قيمة القدوة وحرص على رعاية تلك القيمة فى نفوس الناس، تخيل لو أن ذلك الصالح قد انهار وسقط فى أعين الناس!
النتيجة الحتمية عندئذ أن يهون كل شىء وأى شىء. إذا كان هذا الرجل الصالح المتدين «بتاع ربنا كما يقولون» فيه كذا وكذا من سيئ النعوت وقبيح الخصال، فماذا أفعل وأنا الشخص العادى الضعيف الذى لم يدع يوما أنه متدين؟! كلنا فى الهوا سوا، هكذا لسان حال وحديث نفس كثير ممن يستمرئون الخطأ تبعا لأخطاء المتدينين أو انهيار صورتهم.
والحقيقة أن صاحب السمت الملتزم وذى الصلاح الظاهر المتمسك بالتقوى والبعد عن الفواحش والحريص على الطاعات والعبادات كما أنه يسبب حياء لدى سليمى الفطرة ويدفعهم لمنافسته «وفى ذلك فليتنافس المتنافسون»، فإنه أيضا يسبب نقصا عند بعض من استسلموا لشهواتهم وتقلبوا فى دنس معاصيهم تلك حقيقة شرعية ونفسية وواقعية تظهر جلية فى قول ربنا: «ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما»، فحين لا يقدر المفرط على إصلاح حاله أو الإقلاع عن معاصيه يصير البديل لديه أحيانا أن يكون الناس كلهم مثله أو أسوأ، فهم عنده أفاقون، ومنافقون، وتجار دين، وطلاب دنيا ومنصب وجاه، بينما هو بحاله ومعاصيه لم يفعل شيئا من هذه الطامات كما يقنع نفسه فترتاح وتركن حيث لم يعد هناك داع للتغيير أو التوبة وهنا محل الخطر وذلك ما يسعى إليه البعض بكل قوة وتساعدهم فرص ذهبية يعطيهم إياها بعض المتدينين بعدم تحملهم لتلك المسؤولية فتعظم تلك الزلات ويسلط عليها الضوء للغاية ومن ثم تنهار القدوة ويخبو فى القلب ذلك المثل الحسن وبانهيار القدوة وانطفاء تلك الجذوة من ضياء التأسى والاستحياء من صالحى القوم تتحول الهزة المجتمعية أو السياسية إلى هزة دينية وتردٍ التزامى وأخلاقى حين تنهار فكرة القدوة.
وللأسف أكثر الناس يتأثرون وربما يفتنون بأفعال المتدينين وأخلاقهم وينظرون دوما إلى صنيعهم لذلك راعى النبى هذا الأمر واعتبره فقال: «إن منكم لمنفرين» نعم هى ليست حجة مبررة لأفعال وتفريط النافر لكنها حجة على المُنَفِّر والمستهين بقيمة القدوة والمتغافل عن كون مقام الرجل الصالح فى نفس الإنسان البسيط هو مقام كبير ومهم ينبغى أن يصان وأنه إن سقط فى النفس كانت النتيجة لا تحمد عقباها، يقول الله: «وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيم»، قال ابن كثير مفسرا هذه الآية: «حذر الله عباده من اتخاذ الأيمان دخلاً: أى خديعة ومكراً لئلا تزل قدم «بعد ثبوتها» مثلٌ لمن كان على الاستقامة فحاد عنها، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة، المشتملة على الصد عن سبيل اللّه، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين، فيصد بسببه عن الدخول فى الإسلام». كل هذا يضاعف من مسؤولية القدوات وأهل الصلاح ويعظم ضرورة الالتفات إلى أهمية دعوة الحال وعدم الاكتفاء بدعوة اللسان والكلام وأن كثيرا مما يتهاون فيه البعض من الأفعال يعد من الصد عن سبيل الله وسبب لأن تزل قدم عن طريق هداية كانت قد ثبتت عليه يوما ما.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة