تفصلنا أيام قليلة عن الاستحقاق الانتخابى الرئاسى، وقد حسم البعض أمره منذ فترة ما بين المرشحين السيسى وحمدين، ولكن هناك البعض وهو عدد لا بأس به من المصريين لم يحسم أمره حتى الآن، فهو يتأرجح أحيانا بين ثلاثة اتجاهات لا رابع لها مرة السيسى، مرة حمدين، ومرة مقاطع ومش رايح انتخابات لأسباب مختلفة، فالبعض زهق ومل، فلقد وقف المصريون فى طوابير انتخابات منذ الثورة بأكثر مما وقفوا فى عمرهم كله، بغض النظر عن سنوات العمر، وآخرون قرروا المقاطعة لأسباب أخرى مثل السيسى ناجح ناجح نروح ليه؟!
أنت حر لتنتخب من تنتخب، ولتقاطع إن أردت ولكن لا تهاجم من حسم أمره، ولتدرك أنك لست وحدك الذى سيتحمل نتيجة اختيارك، ولكن هناك ملايين آخرين سيتحملونها معك، ولتدرك أيضاً أن نتيجة الانتخابات لن تكون هى الحل لكل مشكلاتك، وأنها لن تأتى لك بغد وردى أيا كان المرشح الذى سيفوز.
فى السنوات الثلاث الماضية أتمنى أن يكون أغلب المصريين قد أدركوا أن مشكلات حياتهم فى هذا البلد لن يحلها مرشح رئاسى ولا نيابى، وأن أحلامهم التى حلموا بها يوم أن نزل مبارك من على عرش مصر يقول الواقع إنها أحلام مؤجلة فى علم الغيب، لقد كشفت السنوات الثلاث الماضية بما فيها من أحداث داخلية وخارجية أنه يجب ألا يتعدى حلمنا الحاضر القريب، يجب ألا يتعدى حلمنا مجرد بقاء مصر وإصلاحها قدر المستطاع، ولكن بخطوات أبطأ كثيراً مما حلمنا به فى يوم ما.
لا تظن أنى من هؤلاء الذين يشيعون الظلام والكآبة، ولكننا فى مفترق طرق، وبحاجة لأن نتصارح قبل أن نتصالح مع أنفسنا. لقد تراكمت مشكلات مصر عبر ثلاثة عقود وما قبلها، وكان حكامنا كلاً مشغولاً بمشروع أو مشكلة رئيسية فرضتها عليه الظروف، أو كانت من عمل يديه، ولم يكن أحد منهم قادرا على أن يكون صاحب مشروع متكامل يصل بالبلاد لخطوات للأمام، يشعر بها الفقير قبل الغنى، والجاهل قبل المتعلم، والمرأة قبل الرجل، والصغير قبل اليافع، إذاً نحن بإزاء بلد شديد المرض، أدركنا فى السنوات الثلاث الماضية أن أمراضه مستعصية على الأطباء الذين ما كانوا أطباء، وأن جزءا كبيرا من المرض كما يقع على كاهل الحاكم يقع أيضاً على كاهل الشعب، فإذا كنا نطلب من حاكمنا القادم أن يتقى الله فينا فعلينا كشعب أن نتصارح بأننا يجب أن نتقى الله فى أنفسنا، فكلنا فاسدون بدرجات، وكلنا بحاجة لعلاج جماعى من فسادنا، والعلاج يحتاج لفترة مجهدة، لذا فعود على بدء، أنت حر، انتخب من تريد، أو قاطع، ولكن ابدأ بعلاج نفسك ومصارحتها بأننا يجب أن نصلح الحاضر قبل أن نفكر فى المستقبل.
صندوق محمود بدر
على حسابه الشخصى على تويتر، كتب محمود بدر أحد مؤسسى تمرد وعضو لجنة الشباب فى حملة السيسى، أنه يحلم بإنشاء صندوق لأجل مصر، يشارك فيه الجميع، تكون حصيلته 100 مليار، وهو حلم جميل ومشروع، وكثير منا حلم بمثله، بل البعض نادى بمثل هذا المشروع لأسباب مختلفة كمحمد حسان فى زمن مرسى، ونفذ بعضًا منه وغيره وغيره بدون ذكر أسماء. ولا تظن أنى أذكر اسم محمد حسان كإشارة أو تورية سيئة، لأن مثل هذه الأموال التى يتم جمعها لا نعرف أبداً أين ذهبت، ولا فيما أنفقت، ولكنى سأناقش حلم محمود بدر بلا نيات سيئة، وسأفترض منتهى حسن النية فى الحلم الذى أعلن عنه، وسأوجه له ولمن مثله لديه نفس الحلم مجرد عدة أسئلة أولها هل جل أزمة مصر هى المال؟ الأموال والموارد صحيح شحيحة والمطلوب الكثير منها، ولكن أزمة مصر الحقيقية ليس فى جمع المال ولكن فى إنفاقه، وربما لأنى امرأة كملايين النساء المصريات التى تعرف كيف تدبر مواردها المحدودة فى احتياجاتها الكثيرة، فإنى أؤكد أن أزمة مصر فى طرق الإنفاق وفيمن ينفق المال، ولذا فقبل أن نطالب ونحلم بجمع الأموال علينا أن نطالب من يجمعها بتحديد بنود إنفاقها، ونتأكد من قدرته على إدارتها، فكم من مليارات فى يد تتحول لملاليم، وكم من قروش فى يد تتحول لملايين.
إن فكرة إنشاء صناديق لجمع المال صارت للأسف فكرة سيئة السمعة، بسبب تجارب المصريين على مدى عقود، وبخاصة فى السنوات الأخيرة، وللأسف صار من ينادى بها مصوما بسوء النية، لأنها لم تسفر عن شىء، فما الذى حدث فى الأموال التى تنادى بها كثير من القنوات الفضائية التى تسفر فى النهاية عن شراء بطاطين للفقراء.. صحيح أن البرد فاضح، ولكن لنا فى اليابان أسوة حسنة، فهم من قالوا الحكمة الخالدة «علمنى الصيد وامنحنى سنارة بدلاً من أن تعطينى سمكة».. ومصر بحاجة للسنارة والصيد، وكفانا سمك شحاتة، حتى لو كان من يدنا لأفواهنا.