عن «أحلام الطفولة المطوية» يبدأ أستاذ الفلسفة، وتلميذ شوبنهاور، كتابه الخاطرات لتكون هذه الخاطرة بمثابة «طفولة» الكتاب الذى سوف ينمو بعد ذلك ليمر بمرحلة «المراهقة» فى «ترانيم الليل» و«ذاكرة الليالى» ثم يشتد عود كتابه ليدخل إلى «الفن والحنين» مرورا بـ«روائح الشتاء والصيف» ثم ينساب إلى «الحنين إلى الرومانتيكية» فى مرحلة الشباب، لكن يجدر بنا قبل أن نترك مرحلة طفولة «الخاطرات» أن نعود إلى «أحلام الطفولة المطوية» عند سعيد توفيق: حيث يرى أنه «مما يبقى معنا حتى آخر العمر حلم الطفولة»، فهو يسر إلينا أن «الطفولة نفسها حلم قصير كنا نخاله عمرا مديدا، وعالما فسيحا لا نهاية له.. حلم جميل صحا وتسلل من بيننا، ليغادرنا ونحن غافلين عنه».. إنها - كما يصفها شوبنهاور - جنة عدن التى نظل نرنو إليها وهى تتباعد من ورائنا، وهذا يدفعنى لتذكر قصيدة «أغنية إلى الطفولة» التى كتبها «أدونيس»: «فى السرير القَلقِ الدافئِ حُبٌّ يستفيقُ/هو للناس تراتيلُ، وللشمس طريق للطّفولة/تشرق الشمس خجولة/يا طفولة هَوى ماضٍ وآتِ/يا ربيعَ الزّمَنِ الشيخِ وآذار الحياة» أما «محمود درويش» فيكتب عن طفولته: «حلمت بعرس الطفولة/بعينين واسعتين حلمت/حلمت بذات الجديلة/حلمت بزيتونة لا تباع/ببعض قروش قليلة/حلمت بأسوار تاريخك المستحيلة/حلمت برائحة اللوز/تشعل حزن الليالى الطويلة/بأهلى حلمت.. بساعد أختى/سيلتفّ حولى وشاح بطولة/حلمت بليلة صيف/بسلّة تين/حلمت كثيرا/كثيرا حلمت.. إذن سامحينى»، وبالطبع فإن الطفولة المبكرة هى مرحلة من مراحل النمو البشرى، وتتضمن عموما بداية المشى والفترة اللاحقة، وعمر اللعب وهو مسمى غير محدد ضمن نطاق مرحلة الطفولة المبكرة، وفى علم النفس يعرف مصطلح الطفولة المبكرة بالمرحلة العمرية من سنتين إلى ست أو سبع سنوات، وهى ثلاث مراحل للنمو فى وقت واحد، ويرى «سعيد توفيق» أن «الطفل يسأل الأسئلة التى هى وليدة الدهشة، أى وليدة النظرة المعرفية الخالصة للأشياء، ومن ثم فإنه يسأل الأسئلة التى لا يسألها الكبار من العباقرة والمبدعين».
وفى حقيقة الأمر عند دارسى علم النفس أن مرحلة الطفولة هى مرحلة ما قبل العملياتية والتى اكتشفها «جان بياجيه» وخلال هذه المرحلة يسأل الطفل ويكرر لماذا؟ حيث لا يمكن للطفل فى هذه المرحلة أن يقوم بعمليات التفكير المجرد، فيكون الطفل قادرا على فهم ما يجرى الحديث عنه لأن الطفل لا يفهم مفاهيم المنطق والفلسفة والبطولة والتأمل والخيانة والنذالة وما إلى ذلك، وهذا يعنى أن الطفل يفكر بالمعنى الحرفى، فمثلا إذا قيل للطفل إنه يجب عليه الذهاب للفراش لأن الليل وقع فسوف يسأل: كيف «يقع» الليل من السماء؟ وعلى سبيل المثال يرى الطفل خصائص الإنسان فى كل شىء، فالطاولة سيئة إذا اصطدم بها عن طريق الخطأ وآذته، ويظهر التمركز حول ذاته ويقال إنه لا يفهم أن الشخص الآخر له معتقدات، ويعتقد الطفل فى هذا العمر أن جميع الناس يفكرون فيما يفكر هو به، وعلى سبيل المثال هناك أيضا «وحدانية التركيز» وسببها الأول أن الطفل يحب معرفة أبرز ما يراه على الشخص أو فى الشىء، فإذا كان هناك رجل شعره طويل يعتقد الطفل أنه امرأة، وبالطبع فإن «سعيد توفيق» لا يقدم لنا «بحثا علميا» عن مرحلة الطفولة لأنه أستاذ الفلسفة يحدثنا فى طفولة الفيلسوف عن أحلام طفولته هو، وإن كانت طفولته تنعكس على ملامحه هو نفسه حتى اليوم، وللحديث عن «الخاطرات» بقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة