إن التجديد هو سنة الحياة والتغيير قانون الوجود ولا يوجد شىء مخلوق يظل على حاله إلى الأبد وهذا واضح عند تأمل جميع المخلوقات من الحيوان والنبات والجمادات وكل ما سوى الله تعالى كما نراه فى فصول السنة ونراه فى تعاقب الشمس والقمر والليل والنهار وما يحدث معهما من تغيير فى الكون قال تعالى: «وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ»، «وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»، «وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ»، «لا الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» سورة يس الآيات 37: 40 والبديل للتجديد هو الجمود وهو يعنى توقف الحياة عن الحركة ويعنى الموت.
ولأن الإنسان هو جزء من هذا الكون فهو يخضع لهذا القانون العام فحياة الإنسان بطبيعتها متجددة وإنها تنتقل دائما من طور إلى طور، قال تعالى: «اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ» سورة الروم آية 54 وقد قام الإنسان بإحداث تغيير لا حدود له فى جميع جوانب الحياة وفى العصر الحديث نجح فى إحداث ثورات كبرى فى ميادين العلم والتكنولوجيا والمعلومات والاتصالات كما نجح فى اكتشاف الكثير من أسرار ذاته سواء المادية أو المعنوية وأصبح راسخا أن التطورات فى العلم ومجالات الحياة لن تقف عند حد معين وكلما تطورت هذه المجالات تغير معها نمط حياة الإنسان وبالتالى فالتجديد والتغيير مصطلحان مرتبطان ارتباطا وثيقا بحياة الإنسان.
والإسلام فى تعاليمه ومقاصده دين للحياة يتكلم فى معظمه عن الحياة وجوانبها وهو دين الإنسان فهدفه الأساسى هو خدمة وإصلاح الإنسان حتى فى عقائده ومعرفة الله، يهدف أيضا إلى إسعاده وإصلاحه وبالتالى يستحيل أن يصطدم الإسلام مع سنن الحياة أو مع الفطرة الإنسانية لذلك يصح أن نقول: إن قضية تجديد الخطاب والتعليم الدينى الإسلامى هى ضرورة حتمية من ضرورات الدين وأصل من أصوله الراسخة ولذلك جاءت الدعوة إلى هذا الأصل واضحة وصريحة فيما رواه أبوداود فى سننه من حديث أبى هريرة رضى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».
ولولا أن الوحى ــ القرآن وصحيح السنة فى فهمه يستوعب مجمل تطورات وتنوع الحياة والإنسان لفقد طابعه الإنسانى والعالمى وصلاحيته لكل زمان ومكان فالتجديد يخص فهم الوحى وهو مرتبط ببيئته الزمانية والمكانية يختلف باختلافها، فالوحى نفسه ربانى ثابت لا يتغير ولكن فهمه بشرى، فالفهم ما هو إلا قراءات للوحى فى مراحل زمنية معينة وفى مكان معين وبمجرد أن تتغير الظروف والأحوال سيكون فى الوحى مضامين جديدة تسمح بمعالجة المستجدات ولكنها تحتاج إلى فهم جديد وسيكون الفهم السائد القديم بالضرورة متأخرا عن هذه المضامين الجديدة وغير قادر على معالجة المستجدات كما كان عليه الأمر من قبل وعندها يجب تجديد الفهم بما يتفق مع تغييرات ومستجدات الزمان أو المكان، وبالتالى فالمعنى الدقيق لجوهر تجديد الخطاب الدينى هو: تجديد فهم الوحى لاستخراج مضامين جديدة منه تعالج مستجدات الأمور والحياة والإنسان.
وعلى الرغم من كون تجديد الخطاب الدينى هو ضرورة دينية وأصل من أصول الدين إلا أنه أهمل ولم تهتم الأمة الإسلامية به إلا فى بعض عصورها وبصورة جزئية مثل عصر ابن رشد فى الأندلس وهو من عباقرة المجددين فى فهم الوحى، وقد نتج عن عدم قيام الأمة الإسلامية بهذه الضرورة الدينية تحول الخطاب الدينى من الحياة إلى الجمود وعجزه عن مواكبة مستجدات الحياة ناهيك عن انحراف الفهم الذى أصابه وأضاف له ما يتعارض مع مقاصد الدين إما بجهل جاهل أو تعمد فاسد وبدلا من كون الخطاب الدين من أهم وسائل صنع الحياة ومعالجة مشاكلها وبناء الإنسان تحول إلى عقبة فى سبيل الحياة ووسيلة تدمير للإنسان قد تؤدى إلى تطرفه وإفساده، وبالتالى فإن مقاصد تجديد الخطاب الدينى لا تنحصر فقط فى مواجهة الإرهاب وجماعات التطرف كما روج لذلك منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر وتداعياتها على نظرة أمريكا للإسلام والمسلمين وتبنيها لاستراتيجية تجفيف منابع الإرهاب وخاصة المنابع الفكرية ضمن حربها على الإرهاب. فما هى مجالات ومقاصد وضوابط تجديد الخطاب الدينى، وكيف تم اختزال هذه المقاصد فى تجفيف منابع الإرهاب الفكرية؟.. هذا ما سوف نعرفه فى المقال القادم، إن شاء الله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة