كلما أبحر الإنسان فى الحياة تعددت المواقف التى تمر به وازدادت خبرته وتعلم فن الإبحار فيها. ومن أهم القدرات التى يكتسبها البشر هى إمكانية تقييم الأمور جيدًا بطريقة صحيحة لاختيار الأسلوب الملائم لكل موقف. يقول المفكر اللُّبنانى "ميخائيل نعيمة": "خير الدُّروب ما أدى بسالكه إلى حيث يقصد". نعم فاختيار الدرب الصحيح فى الحياة للوصول إلى هدف يسعى نحوه هو من أهم مهارات قيادة سفينة أيامنا فى هٰذا العالم.
ولكى يتمكن الإنسان من أن يسلك الدرب الصحيح، عليه أن يحدد الهدف الذى يريد تحقيقه بكل دقة، وأيضًا وسيلة الوصول إليه على أن تتسم ببساطتها؛ فأعمق ما فى الحياة نجده فى أبسط تصرفات البشر التى ترسم علامات الراحة فى الأذهان والمشاعر؛ مثل: الابتسامة، والإيماءة، والكلمات اللطيفة. وأيضًا مدى ملائمة هٰذه الوسيلة لتحقيق ذاك الهدف. لذٰلك تحقَّق عزيزى الإنسان من هدفك ووسيلتك إليه لتختار الدروب التى تستطيع اجتيازها بنجاح.
كان بالمدينة أحد أمهر الفرسان الذى كان موضع إعجاب أهلها لبراعته فى قيادة فرسه المدرَّب، وقد فاز بكثير من الميداليات والأوسمة فى عديد من المسابقات، وأحب الفارس فرسه جدًّا ووثِق بإمكاناته جدًّا، فقرر أن يُسلمه حديقته كى يقوم بحراستها من الطيور التى تلتهم الثمار قبل نضوجها، وتُفسد كل ما تتم زراعته.
كان الفرس يقظًا فى المهمة المُوْكَلة عليه، واستطاع منع الطيور من الاقتراب من أشجار الحديقة ومزروعاتها؛ فصار يجرى فيها هنا وهناك. وحقًّا كان الفرس يقظًا؛ فلم يسمح لطير ما أن يقترب إلى الثمار، إلا أنه كان يجرى من مكان إلى آخر فى الحديقة المتسعة فى حركة لا تتوقف. أشرفت الشمس على المغيب، ومعها جاء موعد حضور الفارس صاحب الحديقة ليرتاع من هول ما شاهده! فقد أفسد الفرس الورود الجميلة والخَضراوات بسبب جريه بين جنبات الحديقة لإبعاد الطيور. فما كان من الفارس إلا أن أمسك بسَوطه يضرِب فرسه ضربًا مبَرِّحًا مع أنه كان أمينًا فى عمله! وبينما هو يفعل هٰذا، أسرع أحد جيرانه وأمسك بالسَّوط من يده متسائلًا عما يفعله.
فأجابه الفارس بأنه يعاقب فرسه على إفساده الحديقة والخَسارة الفادحة التى تكبدها بسبب فعلته. سأله الجار: أتعتقد أنه فعل ذٰلك ليسبب لك كل هٰذه الخَسارة؟ أجاب: بالطبع لا، لٰكنه أفسد كل شىء. وهنا سأله الجارُ: هل الخطأ مَن هٰذا الفرس، أم من صاحبه الذى لم يختَر الوسيلة الصائبة للمحافظة على حديقته من الطيور؟ فالفرس لم يُخلَق لحراسة الحدائق. حينئذ أدرك الفارس أن الخطأ كان منه لا من فرسه؛ فعدم تقديره الصحيح للطريقة المُثلى التى يجب استخدمها لحل مشكلته لم يكن فى محله.
ربما تكون الأهداف واضحة أمامنا، إلا أنه يتبقى لنا أن نُدرك أهمية اختيار الوسيلة الصحيحة والملائمة للوصول و.. وعن الحياة ما زلنا نُبحر.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة