قلت فى المقال السابق إنى أشعر بأن المرحلة القادمة ستكون سوداء على الطبقة المتوسطة وخصوصا الموظفين، وبأن هناك اتفاقا ضمنيا لمص دماء هذه الطبقة الهزيلة لحساب المعدمين من ناحية ورجال الأعمال من ناحية أخرى، فكل المؤشرات تؤكد أن الدولة فى طريقها لإبادة هذه الطبقة اقتصاديا واجتماعيا بحزمة من الإصلاحات المعوجة أو الناقصة، التى قد تؤدى إلى توفير سريع فى ميزانية الدولة ومواردها، ولكن ذلك لن يدوم طويلا، فسرعان ما سوف ينتقل أبناء هذه الطبقة من خانة الستر إلى تحت خط الفقر، وأنهيت مقالى بسؤال: «ماذا سيكون موقف تلك الطبقة الحائرة بعد تنفيذ الإصلاحات المقترحة من رفع الدعم عن الوقود وزيادة أسعار الكهرباء والغاز والماء ووضع رسوم وضرائب إضافية، هل ستستمر فى العطاء أم ستفكر فى الانتحار؟»، بالتأكيد سيكون الخيار الثانى أسهل، فلا شك أن معدلات التضخم والغلاء سوف تتضاعف بمجرد أن تزيد أسعار الطاقة بأنواعها، وتتحرر من الدعم، فرجال الصناعة والتجار والمهنيين والحرفيين سيعوضون ارتفاع أسعار الطاقة بزيادة أسعار المنتجات والخدمات أو برفع نسب الأرباح، وسيظل الموظفون الذين يشكلون %90 من الطبقة المتوسطة هم الضحية، لذلك كان على الدولة أن تصدر تشريعات وقوانين تحد من التضخم والغلاء قبل تحرير أسعار الطاقة.
ولا أقصد هنا الرجوع إلى عصر الاشتراكية والتسعيرة الجبرية، فهناك العديد من الوسائل والآليات الأكثر تأثيرا فى هذا الشأن منها، تحديد معدلات للأرباح، وهو نظام متبع فى العديد من الدول الأوروبية، ويعمل على وضع سقف لأرباح المصانع ورجال الأعمال بحيث لا تزيد الأرباح على %30 من سعر تكلفة المنتج أو الخدمة، ولكننا للأسف نترك بعض الصناعات المهمة والاستراتيجية بين يد حفنة من رجال الأعمال، الذين قد يضعوا أرباحا تتخطى %100 ومضاعفاتها بلا أى ضوابط أو تدخل من الدولة للحد من هذه الأرباح الخرافية، ناهيكم عن ضعف المنافسة فى السوق، لأن حجم المعروض أقل بكثير من حجم الطلب، ورجال الأعمال والصناعة فى كل مجال معروفون ومحدودون ويحتكرون الأسواق بشكل غير مباشر، لذلك يتحتم على الدولة السعى نحو توسيع نطاق الاستثمار فى كل المجالات وتشجيع رجال أعمال جدد للدخول فى السوق المصرية لزيادة المعروض ولتوسيع نطاق المنافسة، أما إذا تم رفع الدعم عن الطاقة فى وسط العشوائية التى ترتفع بها معدلات التضخم والغلاء، فلا شك أننا سنكون فى مأزق اقتصادى محبط للجميع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة