أحمد الجمال

حديث عن الخلفيات.. منذ حكم الكولونيلات وسلطة العسكريتاريا

الثلاثاء، 20 مايو 2014 11:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عقب قيام ثورة يوليو 1952 شاع فى الأدبيات السياسية الغربية- أى الأوروبية والأمريكية- مصطلح «حكم الكولونيلات» جمع «كولونيل» أى «بكباشى» أى «مقدم» بلغة هذه الأيام، وظل الغرب عبر إذاعاته وصحفه يتكلم عن الكولونيل ناصر دون أدنى التفات إلى تاريخ الجيش المصرى، ولا إلى تاريخ جمال عبدالناصر، ولا إلى أول رؤية قُدمت وهى «فلسفة الثورة»، ولا إلى أول قرار وهو تحديد ساعات العمل والحد الأدنى للأجور، وليس الإصلاح الزراعى الأول الذى كان القرار الجذرى الثانى فى سبتمبر 1952، بينما كان الأول فى أغسطس من العام نفسه. واستمر الحال على ذلك المنوال حتى اشتعلت أرض العالم بحركات التحرر الوطنى وثورات الاستقلال التى ارتبطت كلها تقريبا بيوليو وعبد الناصر! ولم يكن الغرب الرأسمالى الليبرالى وحده فى هذا المسار، ولكن كان الشرق الشيوعى أيضا وبعض الفرق الماركسية والتنظيمات الشيوعية، حيث ظهر مع مصطلح «العسكريتاريا» وحكم «العسكريتاريا» باعتباره تعبيرا عن أزمات ما أسموه أيضا بـ«البرجوازية» الصغيرة، والبرجوازية بوجه عام. وردد كثير من المثقفين المصريين من الليبراليين والشيوعيين والماركسيين هذه المصطلحات، بل إن بعضهم أضاف لها مصطلحا عجيبا يصف به التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى أحدثتها ثورة يوليو وقائدها جمال عبدالناصر، هو مصطلح «رأسمالية الدولة الاحتكارية»! وأذكر أن عمنا الساخر، الراحل محمود السعدنى، سمع هذا المصطلح وهو مع الشيوعيين المحبوسين والمعتقلين أواخر الخمسينيات فاستفسر ثانية ليفهم فقيل له «رأسمالية الدولة الاحتكارية»، ومن فوره قالها: «وشك - وجهك - للحيط وقفاك ليه» وطبعا كلمة قفاك هى الكلمة المهذبة! الآن يتكرر الموال نفسه فنسمع الرطانة ذاتها عندما يتحدث ليبراليون وثوريون وزاعمو ناصرية عن المرشح ذى الخلفية العسكرية.. أو يهتف لهم صبيانهم «يسقط حكم العسكر».. أو يحاول آخرون إضافة مزيد من الهيبة على كلامه فيقول «لا لإعادة إنتاج نظام عبدالناصر.. ولا لعودة العسكريتاريا»! وأتساءل: ما هى حكاية الخلفية هذه وحكاية أن كل من انتسب لجهة ما فى فترة من فترات عمله يوصم بها.. مثل أن كل الذين عملوا فى نظام مبارك «فلول» وأن كل الذين أحبوا عبدالناصر والتزموا بأفكار يوليو ومبادئ التحرر الوطنى «شموليين» وهلم جرا، لذلك أبدأ بالاستفسار عن الذين كانوا أعضاء فى مجلس الشعب أيام حسنى مبارك.. لأننا نعلم أن السلطة تتوزع إلى تنفيذية وقضائية وتشريعية، وأن من يقبل أن يعمل فى موقع رئيسى فى أى من هذه السلطات يكون قد قبل العمل من داخل مؤسسات النظام، ولذلك لا يمكن أن يكون ثائرا يريد تغيير النظام تغييرا جذريا على كل الأصعدة.. يعنى أن السيد صباحى الذى كان عضوا فى برلمان نظام مبارك، لم يكن هو الثائر الكامن فى كهوف الصحراء الغربية أو الشرقية أو فى الهيش الكثيف داخل ملاحات شمال الدلتا ويحمل الكلاشينكوف ويمارس النضال الثورى الجيفارى! ثم إن حزب الكرامة الذى يعد السيد صباحى زعيمه وأباه الروحى قبِل أن يتصالح مع الإخوان المسلمين، بل وأن يتحالف معهم، أو أن يصبح- وفق المصطلحات «الإسلامية»- من «مواليهم»، ولذلك سعى إلى أن يقبله الإخوان على قوائمهم فى الانتخابات البرلمانية، ونجح له أكثر من خمسة أعضاء على ما أتذكر وأصبحوا نوابا فى برلمان يقوده الكتاتنى، ويتزعم أغلبيته العريان! فهل يكون أولئك السادة وحزبهم من فلول الإخوان؟! وحكاية العمل من داخل مؤسسات النظام لها قصة ما زلت أذكرها عند مطلع السبعينيات، حيث كان الصديق - آنذاك - عبدالخالق لاشين يناقش رسالته للدكتوراه، وكان عنوانها «سعد زغلول ودوره فى الحياة السياسية المصرية»، وكانت لجنة المناقشة برئاسة شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد عزت عبدالكريم، وكان المشرف هو أستاذى الجليل أحمد عبدالرحيم مصطفى، وكان العضو الثالث هو الأستاذ الدكتور المحترم إسماعيل صبرى عبدالله، المعروف بتاريخه الناصع فى الحركة الوطنية والاتجاه الشيوعى.. وأثناء المناقشة تكلم الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله حول المنهج وقال لعبدالخالق لاشين، الذى كان وظل يضع نفسه فى خانة المتطرف منهجيا فى الانتماء للمادية التاريخية والمادية الجدلية يعنى المنهج الماركسى، وكان يظن هو والحضور أن إسماعيل صبرى عبدالله سيطير فرحا به وببحثه ولن يقدم أى نقد جوهرى للرسالة.. قال الدكتور عبدالله: لقد جانبك الصواب فى المنهج لأنك حاولت أن تحاسب وتحاكم سعد زغلول باعتباره زعيما ثوريا.. بينما الحقيقة أن سعدا كان زعيما إصلاحيا لأنه قبل العمل من داخل مؤسسات النظام الملكى ومن قبله النظام السلطانى القائم عضوا فى النواب ورئيسا لمجلس النواب ثم رئيسا للوزراء!، وهذا لا يعطيك الحق فى أن تلوى ذراع المادة التاريخية فتحاسب الرجل على ما ليس حقيقيا ولا واقعيا. وكان هذا كافيا من الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله لأن يفرغ بالون لاشين من انتفاخ التسلح بالأدوات المنهجية الماركسية الصارمة! وأعود إلى حكاية الرطانة التى تتحدث عن أن السيسى مرفوض لأن خلفيته عسكرية، وأؤكد أولا أن الخلفية العسكرية تعطى ميزة لصاحبها وأفضلية فى الوقت نفسه، رغم أن الميزة لا تقتضى الأفضلية كما يقول الأصوليون فى علم الفقه.. إذ يذهبون إلى أن تميز عيسى عليه السلام بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لا يعطيه أفضلية على محمد عليه الصلاة والسلام، رغم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يحى جسدا ميتا ولم يبرئ أكمه ولا أبرص! ميزة الخلفية العسكرية أن صاحبها يبقى منضبطا فى سكناته وحركاته ويعرف قيمة الوقت وقيمة تقسيم الوقت وتقسيم العمل وتحديد الهدف ودراسة إمكانيات تحقيق الهدف بأقل الخسائر وأسرع الخطوات!، وهلم جرا مما نعرفه وخاصة من خدموا علم بلادهم فى القوات المسلحة، وقد كنت واحدا منهم. ثم نأتى للأفضلية لنكتشف أن القطاع الوحيد تقريبا الذى لم يصبه التحلل والتفتت والتفكك فى وطننا هو القوات المسلحة، وهذا من فضل الله علينا، ونكتشف أنه ما من مشروع أو خدمة فشل فيها القطاع المدنى المتخصص فيها- كرصف الطرق مثلا- إلا ونجح أبناء مصر من القوات المسلحة فى المهمة.. ثم- وهو الأهم والأخطر- لقد بقيت الصناعات الحربية المصرية التى تأسست فى الخمسينيات وازدهرت فى الستينيات سليمة بينما تم تدمير وتصفية الصناعات الإستراتيجية المصرية فى عهدى السادات ومبارك، ومعلوم لكل من لديه أدنى حد من المعرفة أن الصناعات الحربية هى القاطرة التى تشد وتتقدم كل الصناعات فى أى مجتمع، بما فى ذلك المجتمع الأمريكى والأوروبى والشرق آسيوى والهندى. ولأن ظروف بلدنا هى أننا فى حرب على جبهات خمس شمالا وشرقا وغربا وجنوبا وفى العمق المصرى، فإن المهمة تنادى صاحبها الذى يتعين أن تكون له خبرة عسكرية عريقة ويمتلك تكوينا علميا رفيع المستوى، ويحوز رصيدا أخلاقيا لا يرقى إليه الشك.. وهذا كله متوافر فى المرشح «النجمة».. وعلى الله قصد السبيل.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة