بدأنا منذ أيام حملتنا الشعبية بعنوان (انزل - شارك) لحث المواطنين وتوعيتهم بأهمية المشاركة فى الانتخابات الرئاسية القادمة، ولقد لاقت الحملة قبولا واسعا، واستجابة من المواطنين، ولكن استوقفنى سؤال متكرر عن أهمية الصوت وسط ملايين الأصوات؟! وأيضا تلك الجملة البغيضة وهى أن الانتخابات محسومة محسومة!!
أما عن أهمية الصوت والمشاركة والتفاعل، برغم أن الأعداد المتوقع نزولها ملايين البشر، فهى أن هذا الصوت وغيره من الأصوات الأخرى هم هؤلاء الملايين، وبدون هذا الصوت وذاك لن تتكون تلك الأعداد الغفيرة!! وتلك الجملة الصادمة والتى تقر بأن الانتخابات محسومة، وأن نتيجتها معروفة، فلهم أقول أن ذلك الحسم يأتى من المشاركة وليس بالعزوف، وأن الانتخابات تحسم بعد الفرز وليس قبله! كما أنه حضرتنى أيضا تلك الحكمة التى يعرفها أهل السياسة وممارسى الانتخابات، والتى تقول إن (الانتخابات فى الصندوق)، أى أن الانتخابات تكون بداخل الصندوق وغير مضمونة، وتعرف نتيجتها، وتتقرر بعد فتح الصندوق وليس قبله!!
وقد أكون غير مبالغ إن قلت إن هذه الانتخابات هى أهم انتخابات ستشهدها مصر لسنوات مقبلة، وأكون أيضا محقا دون لبس إن قلت إن الصوت فى انتخابات الرئاسة القادمة سيذهب هذه المرة لمصر وليس لمرشح بعينه، فمصر هى التى على المحك، ومصر هى التى تحتاج أصوات أبنائها، ومصر التى تقف فى مفترق طرق أمام العالم المترصد لها، مصر تريد أن تثبت للجميع أن أبناءها على حق، وأنهم فى ثوره 30 يونيو 2013 قرروا أن تحكم مصر بانتخابات شعبية حرة، يختار فيها المواطنون رئيسا وطنيا خالصا لله ولمصر، وأن حكم جماعة الإخوان ممثلا فى الدكتور مرسى لم يكن يراعى حدودا أو شعبا أو حتى ديمقراطية وحرية، فسرعان ما انقلب مرسى وجماعته على ثورة يناير بإعلان دستورى ينتهك كل الأعراف السياسية والديمقراطية!! وأن إسقاط مرسى وجماعته لم يكن إلا صدى لنداء شعب حر، رفض الذل والتفرقة والاستعباد عن طريق الالتحاف بالدين من قبل حكامه الجدد. أرى بعدا آخر للمشاركة، وهو بيان عملى عن إثبات رضا قطاع كبير من الشعب عن المرحلة الانتقالية، والرغبة فى التأسيس لمرحلة بناء واستقرار، وتحقيق طلبات ثورتى يناير ويونيو، وقد تكون المشاركة الكبيرة والفعالة صمام أمان للشارع المصرى من الانفجار مرة أخرى، فمن اللافت للنظر بعد الثورتين أن نفس قطاع عميق فى الشعب إصلاحى، وأنه يخشى أن يستمر فى دفع ثمن الثورتين من قوته ومن مستقبله، وقد عمق ذلك الإحساس تردى الفترة الانتقالية التى قادها المجلس العسكرى السابق بعد ثورة يناير 2011 إلى أن عزل المشير طنطاوى وتولى الفريق وقتها عبدالفتاح السيسى، الذى استجاب لنداءات المصريين، وقاد الجيش المصرى فى معركة تحرر أعطى الشعب الإشارة الخضراء لها.
المشاركة فى انتخابات الرئاسة القادمة وكثافتها من عدمه تفصل أيضا فى وزن الرئيس أمام برلمانه القادم المنتخب، فالرئيس يحتاج مساندة شعبية كبيرة كى يستطيع أن يتعامل مع برلمان ضخم متماوج، كما أنه يحتاج أيضا تلك المساندة الجماهيرية الجارفة ليقاوم سلطات رئيس الوزراء الواسعة فى الدستور الجديد، ويكافئ ذلك التوسع فى سلطات رئيس الوزراء بتلك الجماهير المساندة له، لأن السياسة هى لعبة أوزان متبادلة، وتحدد فيها الجماهيرية فاعلية الممارس السياسى، وتعطيه ظهيرا صلبا يجعله مؤثرا فى صنع القرار السياسى، وتسويقه، ومقاومة معارضته فى إطار من الممارسة الرشيدة فى مصلحة الوطن، وداخل منظومة العمل الديمقراطى أيضا. العالم ينظر إلى مصر بترقب، وآلة الإعلام الإخوانية وأموال قطر وتزييف الحقائق أيضا تتربص بمصر وبتلك الانتخابات، لأن أهمية هذه الانتخابات الحاسمة فى أنها ستمحو لفظة (الانقلاب) من على قاموس الإعلام الغربى المأجور، أو على أحسن الفروض المخدوع. الشعب يجب أن ينزل ليقول مصر لنا جميعا، ومصر شعبا ودولة ذات سيادة، وأن قرار مصر أصبح محلى الصنع دون أى نسبة مشاركة مستوردة، مصر تنتظر أبناءها ليقفوا معها، ويساندونها، ويقولوا لها (اسلمى رغم الأعادى)، فهكذا يقول نشيدنا الوطنى.