د.عثمان فكرى

البوست النارى!

الأحد، 25 مايو 2014 08:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"قريت البوست النارى اللى أنا كاتبه .. ده أنا مروق صاحبك فيه " .. "طبعًا يا معلم قريته وشيرته كمان واديتك حتة تعليق عليه جامد جدى " .. غالبا ما تكون هذه هى الحوارات التى تدور بين مستخدمى الفيس بوك، وإن شئت الدقة قل مدمنيه وهم يواصلون لقاءاتهم الافتراضية عبر الكى بورد والشاشة أو الموبايل.

بعض منا أصبح يعيش حياته كلها فى هذا الخيال الافتراضى.. يلقى تحية الصباح على خلق الله عبر بوست صباحى من نوعية "يا فتاح يا عليم .. يا رزاق يا كريم " .. وهنا يتحول الفيس إلى وسيط دينى يمارس فيه الانسان صلواته جهرًا .. ودعاؤه على الملأ .. ولا مانع لدى بعض الأصدقاء فى أن يتحفك ببوست يشرح فيه الحلم الذى انتابه فى المنام، طالبًا من العارفين ببواطن الأحلام الفيسبوكية التفسير والتأويل.. "الله يرحمك يا شيخ سيد حمدى .. المهنة لمت كتير من بعدك! "
أكثر البوستات التى يرتفع فيها عداد الإعجاب والتعليقات تكون من نصيب المكلومين والمجروحين من أهل العشق والغرام، الذين تصيبهم الصدمات العاطفية بجرعات انفعالية لا تحتملها قلوبهم الرقيقة، فيهرعون إلى هذا الجهاز السحرى، وبسرعة البرق يضغطون يفرغون كل ما فى جعبتهم من آلام وندم ولوعة وخيبة أمل فى المحبوب.. والبعض قد يفقد جانبًا من سيطرته على نفسه، فيجرح فى الآخر، ويهينه، ولا يتذكر له إلا السيئ منه .. وهنا قد تتحول صفحات الفيس إلى ساحة سباب وشتائم متبادلة بين طرفين، لتصبح الفضيحة على الملأ، وعلى عينك يا تاجر.
المشاكل الشخصية والخلافات بين الأصدقاء والأحباء وزملاء العمل، تبدو مادة خصبة وثرية جدا للبوستات النارية التى تغنى هنا عن العتاب بين المتخاصمين، وترفع عن كاهلهم عناء المواجهة، بل يكفى أن يختفى أحدهم وراء ألفاظ ملتوية وتعبيرات مجازية وأساليب بلاغية رنانة، لكى يقطع فى فروة خصمه أو غريمه أو حبيبه السابق، بعض من لا يمتلكون مهارة التخفى وراء مهاراتهم الأسلوبية يلجأون لنقل عبارات وجمل مأثورة عن أشخاص معروفين، فلاسفة أو مفكرين، صحيح هى لا تشفى الغليل، ولا تطفئ نار العليل، لكنها تؤدى الغرض وتوصل الرسالة إلى صاحبها.
وبالطبع فإن عداد التعبير عن الإعجاب بالبوست النارى، وعداد التعليقات التى قد لا يعرف أصحابها أساسًا المعنى والغرض وراء ما كتب، ولكنهم من باب "علق لى .. وأعلق لك .. وشير لى .. وأشير لك". ولايك .. وأنا لايك "يقومون بأداء دورهم فى هذه المنظومة الفيسبوكية اللوزعية، وبالطبع ما يكتبون يفعل مفعول السحر فى صاحبنا كاتب البوست، ويشعره بالانتصار والنجاح، وكأنه سدد ضربة ساحقة لغريمه لن يستطيع أن يحيا من بعدها، وقد يجد الانتحار سبيلا وحيدا للخلاص من العار، الذى لحق به بعد هذا البوست الذى قطع عنه كل إمدادات الحياة، وأوقف قلبه وعقله عن الدوران، وانزوى فى ركن ضيق أيام، وقد طالت لحيته، وظهرت رائحته على المحيطين به .
الحذف هنا أو الحظر الكامل قد يبدو حلا مثاليًا لدى البعض يتخلص به من رؤية بوستات وتعليقات تنقص من قدر أصحابها، قبل أن تنقص من قدر آخرين.

* أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة