عندما ينظر الإنسان حوله من فوق سرير المرض اللعين، فلا يجد أحدًا سوى التجاهل والبخل فى السؤال عنه والاطمئنان عليه، حتى من أقرب الناس إليه، ومن أصدقائه ورفقاء دربه ونضاله الطويل، يدرك أن وجوده أصبح شيئًا غير مرغوب فيه، وأن قسوة المرض أخف وطأة عليه من شحيح الصحبة، وأرحم من جحود الرفاق، وأن كل ما عليه أن يفعله هو الصبر، وانتظار الرحيل الصامت، وهو أقسى أنواع الرحيل، وأقسى أنواع الفراق.
هكذا رحل الكاتب الصحفى والمبدع الجميل الأستاذ سعد هجرس بعد معركة شرسة مع السرطان اللعين.. رحيل هادئ وديع مثلما عاش حياته السياسية والصحفية إنسانًا رقيقًا ودودًا، لم يغادر خلالها مواقعه ومواقفه وينزلق إلى دروب السلطة وشهوتها، لكنه فى الحقيقة رحيل ظالم لا يستحقه كاتب بحجمه وقيمته، لم ينتصر عليه المرض بقدر ما هزمته قسوة التجاهل، وغدر الزمن الذى جعله يتكشف أمورًا وحقائق كثيرة فى محنة المرض التى كان يعتبرها معركة من بين معاركه الكثيرة التى خاضها ضد ظلم السلطة، ودفاعًا عن البسطاء فى الحياة والعيش الكريم.
كان فرحًا وسعيدًا عندما تحدثت إليه عبر الهاتف، وممتنًا للسؤال عنه قبل أيام قليلة من رحيله، رغم محاولاتى طوال المحادثة الاعتذار الشديد عن التقصير نيابة عن محبيه وتلامذته من أبناء جيلى، وعدته بالزيارة مع شلة الأصدقاء، لكن الموت سبقنا إليه قبل تنفيذ «وعد الزيارة»!
نؤمن حقًا بالقضاء والقدر، وبالموت، وأن لكل أجل كتابًا، سواء طال بنا العمر أو قصر، ولكن يبقى ذنب التجاهل سيف معلق فوق رؤوس من شغلهم لهاث الحياة وزحامها وشهوة النجومية فى الفضائيات، فقد فشلت الجماعة الصحفية بنقابتها ومجلسها الأعلى فى استصدار قرار بعلاجه على حساب الدولة، إما لعجز أو فشل أو تقاعس أو فقدان هيبة لدى الحكومة، فلم تحرك النقابة ساكنًا، رغم اتصال النقيب ضياء رشوان به أكثر من مرة، أما المجلس الأعلى للصحافة فلم يتصل عضو واحد به حتى من باب الاطمئنان.. هذا التجاهل جعله يتساءل فى أسى وحزن: «إذا كان هذا يحدث مع صحفى عجوز مثلى، فماذا لو كان المريض صحفيًا شابًا؟»، ولم يأت الاهتمام سوى من الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع وقتها، بإصدار قرار بتحمل القوات المسلحة تكاليف علاجه.
رحم الله الرائع سعد هجرس، وغفر الله لنا ذنب عدم السؤال عنه.