هناك اتفاق بين خبراء وأساتذة الإعلام والاجتماع والسياسة بشأن لا عقلانية أغلب ما يقدمه الإعلام، واعتماده على مشاعر وعواطف الجمهور بدلا من الحقائق والتفكير المنطقى، لذلك يميز العلماء بين الاتصال والتواصل، الأول يسعى إلى التأثير فى الجمهور بغض النظر عن الوسائل المستخدمة، وبالتالى لا يهتم برد فعل الجمهور أو مدى استجابته، وأحيانا كثيرة لا يكون له أهداف محددة سوى الاتصال واستهلاك الوقت. أما التواصل فهو عملية تشاركية بين الإعلامى والجمهور تعتمد على التفاهم المتبادل وبناء توافق دون إكراه مادى أو معنوى أو استغلال مشاعر أو مخاوف الجمهور، وطبعا هناك فروق كبيرة بين لا عقلانية الإعلام وتحيزه وابتعاده عن الموضوعية، لأن هناك مضامين إعلامية عقلانية لكنها متحيزة وغير متوازنة، ما يعنى أن أى فعل تواصلى يلتزم بالضرورة بالمهنية وعرض وجهات النظر المختلفة، ويكون أقرب إلى الموضوعية.
للأسف إعلامنا بعيد جدا عن التواصل لذلك فإن أغلب البرامج والمضامين المقدمة تجمع بين اللا عقلانية والتحيز واللا مهنية، علاوة على عدم احترام مواثيق الشرف الإعلامى، وتمنح المذيع سلطة رمزية يستخدمها ضد ضيوفه وضد الجمهور لإكراههم على تبنى موقف معين أو سلوك محدد «بعض المذيعين يتهكمون من الجمهور ويشتمون أو يطردون الضيوف» وهذه الحالة سمحت بتسييس الإعلام أى تحويله لأداة فى الصراع السياسى والاجتماعى، بل أحيانا الأداة الوحيدة للفعل السياسى لكثير من الأحزاب الكرتونية والزعماء الوهميين!! والمفارقة أن لا مهنية الإعلام ولا عقلانيته وتسييسه جاءت بعد ثورة 25 يناير وفى سياق ثورات الربيع العربى، ولا أقصد هنا أن الثورات هى المسؤولة عن فوضى الإعلام والإعلاميين وإنما الحكومات التى جاءت بعد ثورات الربيع العربى هى السبب لأنها تعمدت الإبقاء على أوضاع الإعلام دون تغيير، لقد كان إعلامنا يعانى منذ الستينيات من أمراض التسييس واللا مهنية والتبعية للسلطة، وكان المأمول أن تغير الثورة كل هذه الأوضاع وتدفع إعلامنا نحو الفعل التواصلى القائم على المشاركة بين الجمهور والإعلام، إعلام الخدمة العامة وليس إعلام الحكومة أو رجال الأعمال، لكن حكومتنا من عصام شرف وحتى محلب لم تغير القوانين الإعلامية الموروثة عن عصر مبارك ولم تطبق مواد الدستور الجديد، ولم تساعد العاملين فى الإذاعة والتليفزيون على تشكيل نقابات مستقلة تتبنى مواثيق شرف إعلامية، والكارثة أن ميديا رجال الأعمال صارت الأكثر تأثيرا فى الرأى العام الذى لا يشاهد تقريبا القنوات الحكومية التى تتراجع نتيجة الرقابة والتوجيه وسوء الإدارة وتراكم الديون.
لا بد من تغيير هذه الأوضاع بعد انتخاب الرئيس، ووصفة تغيير وتطوير الإعلام جاهزة، حيث وردت فى الدستور فى المواد 211، 212، 213 والتى تنص على استقلال الإعلام وإنشاء المجلس الوطنى للإعلام وهيئة الصحافة وهيئة الإعلام المرئى والمسموع لتنظيم أوضاع الإعلام والإشراف عليها، ولا شك أن الرئيس القادم بحكم ما يتمتع به من شرعية قادر على إصدار قوانين تنظم عمل هذه الهيئات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة