بينما كانت حشود المصريين تتدفق على اللجان الانتخابية صباح الاثنين أمس الأول، كانت قناة الجزيرة مشغولة باستضافة ضيوف من الإخوان المسلمين، يدعون الناخبين للمقاطعة ويهللون ويكبرون لقنابل البيروسول الدخانية التى فرقعت هنا وهناك، أما الأغرب فهو إصرار المتحدثين على استعادة الشرعية، وعودة أول رئيس منتخب فى تاريخ مصر، وإمهانا فى التضليل أذاعت الجزيرة لقطات بالفيديو لأعداد قليلة من الإخوان يقفون فى أحد الطرق الزراعية ويرفعون إشارة رابعة، والزعم بأنهم الحشود الهادرة الرافضة للانقلاب، وغير ذلك من الفجر الإعلامى الذى يشعرك بأنك أمام «بلياتشو» فى السيرك، يهين نفسه ليشحذ ضحكات الجمهور وتشجيعهم، وحوله بقية الأراجوزات بحركاتهم العشوائية وألاعيبهم التى تثير الشفقة والرثاء. فعلا المجانين فى نعيم، فبعد أيام قليلة يؤدى الرئيس الجديد اليمين الدستورية، بينما يعيش مقاتلو الفنادق فى قطر عالما من الخيال والانفصال عن الواقع، ويصور لهم خيالهم المريض أن الملايين الذين احتشدوا أمام اللجان الانتخابية، هم أهل المعزول وجماعته وعشيرته، وأنهم جاءوا لإعادته إلى الحكم فوق فرس الشرعية المرسوية الإخوانية، التى أسقطها الشعب وداسها بالأحذية وأقام فوق أنقاضها شرعية حقيقية، تحمى الدولة المصرية التى كادت أن تضيع فى سنة حكمهم السوداء، وأن شرعية الشعب تجب ما قبلها وما بعدها، ولكنهم يتشبثون بالأوهام التى تقود إلى أول طريق الجنون.
وانبرى إخوانى لا أذكر اسمه بتحريض من مذيع الجزيرة متحدثا عن مسرحية الانتخابات، باكيا على حائط رابعة والنهضة والشهداء الأبرار، مبشرا الصابرين والمكملين فى الميادين بأن مرسى سوف يعود قريبا إلى الحكم، كما وعدهم صفوت حجازى بأنه سيتناول معهم طعام الإفطار أول رمضان الماضى، وبشرتهم أم أيمن بأنها شاهدت مرسى فى المنام يلبس «أبيض فى أبيض» ولم يعد مرسى ولن يعود، لأنه متهم بالتجسس والخيانة وقتل الثوار، وإن أفلت من الإعدام فلن يهرب من السجن المؤبد، وتحققت رؤية أم أيمن ويلبس مرسى «أبيض فى أبيض».
لم تفقد قناة الجزيرة الحياد الإعلامى فقط، بل سقطت عنها ورقة التوت وبانت عورتها، ولم تحاول ولو مرة واحدة أن تدس كاميراتها المتسللة وسط الحشود والرجال والنساء الذين وقفوا أمام اللجان منذ السابعة صباحا، يرفعون أعلام مصر وصور السيسى وحمدين، وفوق وجوههم فرحة وعلى شفاههم زغرودة ويرقصون وينشدون الأغانى الوطنية، عشقا لمصر وأملا فى أن تعود آمنة مستقرة، فهولاء ليس لهم وطن سواها ولا قبر إلا ثراها، يحركهم الحب والخوف على بلدهم ومستقبلها، ولم تتلوث أفواههم بدولارات الجزيرة ولا تحريضها الإجرامى ضد بلدهم الذى يتحلى بالصبر وضبط النفس فى مواجهة مؤامرات الصبيان والصغار.
أيام قليلة ويسدل الستار على بقايا الفصل التراجيدى الذى عاشته مصر، وينزوى أبطاله الأشرار خلف قضبان السجون والصمت، وتبدأ مصر جمهورية جديدة قوامها البناء والتنمية والحرية والديمقراطية، فلا وقت يمكن تضييعه فى الجرى وراء أوهام الماضى وشرعية الذئاب وعودة المعزول، أما قناة الجزيرة فقد اختارت الخندق الذى تقف فيه، وناصبت غالبية المصريين العداء، وحشرت نفسها فى زنزانة مرسى وأهله وعشيرته، وتعاملت مع المصريين بدم بارد ووقاحة فجة.. فقدت شرفها وسمعتها وحيادها ووصمت نفسها بالعار.