عزيزة، سيدة مسنة من مرسى مطروح، مئوية السن، حيث بلغ عمرها 104 أعوام، أربعة أعوام فوق المائة، ملامحها رغم ثقل السنين تنبض بالحياة والحيوية، خطوط الزمن على وجهها أعظم عنوان لكتاب العمر، ابتسامتها الخجول وهى تدلى بصوتها، وتعلن تأييدها للسيسى تصلح كدرس خصوصى للراسبين فى امتحان الوطن، ويداها المعروقتان وأصبعها المغموس فى الحبر الأحمر أو «الغوشيا» - إن شت الدقة - تقول للخاملين والكسالى والمهملين والمقاطعين والمتنطعين: أين أنتم؟! حسرتى عليكم يا أبناء وطنى.. هل وصلتكم سيرة السيدة؟.. سيدة مطروح العجوز فوق المائة، لكنها فى عشق الوطن شابة تتبختر بلا تختروان، وتزف بلا زفة، وترتدى أسمالها الفقيرة كأنها عروس البحر.. بحر «عجيبة» ولم لا، وهى مؤكد عاشت مع ليلى مراد، وحسين صدقى، وصاحبة الصوت الساحر تغنى «يا ساكنى مطروح جنية فى بحركم».. سيدة مطروح اسمها عزيزة وهى عزيزة، خطوتها عزيزة، لكنها لم تعزها على مصر.. هى عجوز قديمة قدم الأرض والبحر والحصا، لكنها شابة بقلبها العامر المعمور، وكأنها تغنى مع نجم وإمام «مصر يا أمة يا بهية يا أم طرحة وجلابية الزمن شاب وانتى شابة هوه رايح وانتى جاية».. نعم سيدة مطروح لا يقاس عمرها بالرقم القومى، وأوراق الروزنامة، بل بعدد قطرات الندى التى أزهرت غصن قلبها، وعدد حبات المطر التى روت عطش الشوق للأمان.. السيدة رأت ما لم يره نشطاء الجيل الرابع من الحروب، وذاقت مرارة الحرب الثانية، ومصايد العلمين، وفخاخ النابلم، وحقول الألغام.. شاهدت الموت يضحك للأحياء، ويقول هل من مزيد؟ وعلمها الموت أن الشهادة فى حب الوطن تؤدى لجنة الخلد، والموت فى سبيل المرشد والمعزول يوصل لجهنم والعياذ بالله.. رأت ثم رأت إرهابيين على كل لون، ملامحهم كأبناء إبليس، لحاهم مغبرة مثل وجوههم، وجوههم عليها غلظة، وفى آذانهم وقر، وران على أفئدتهم غشاوة والعياذ بالله.. رأتهم يعبرون حدود ليبيا، ويهربون كالجرذان، ويحملون القتل لأبناء وطنها، والخراب للعالم تحت دعوى الإمارة، ولأنها رأت ثم رأت منذ ولدت عام 1910، حيث مصر سلطنة بلا نفوذ تابعة للباب العالى اسمًا وللمندوب السامى البريطانى فعلاً، إنما يحكمها سلطان مريض اسمه حسين كامل أراد توريث مصر لابنه - مثل مبارك - لكن الابن سيف الدين حسين كامل كان أذكى من جمال مبارك، وكتب وثيقة تنازل عن عرش مصر ليختار الإنجليز بعد وفاة الوالد شقيقه أحمد فؤاد الأول «والد فاروق» والذى صار ملكًا عام 1922.. سيدة مطروح عاشت مصر وهى سلطنة مريضة، ثم أعلن تبيعتها للتاج البريطانى تحت مسمى الحماية 1914، ثم مملكة مستقلة اسمًا 1922، ثم جمهورية بعد ثورة 52، واليوم مصر تختار رئيسها السابع، وحاكمها السابع عشر بعد محمد على باشا «1805 - 1848» هل تعرف سيدة مطروح التاريخ الذى حملته على ظهرها، أنا لا أشك فى ذلك، فالتاريخ يصنعه المؤرخون ويكذبون غالبًا فى سرده، أما السيدة ففى صدرها وعلى مسام وجهها التاريخ الحقيقى.. اذهبوا إليها وتعلموا منها حب الأوطان، وعشق ذرات الرمل التى تتحدى العواصف فى بحر الرمال العظيم.. لكل من قاطع الانتخابات، ومارس التنطع البغيض، واللامبالاة المستفزة، وخيانة الأوطان التى صارت وجهة نظر، أقول إن قدم هذه السيدة أعظم من أفعالكم وأسمائكم.. واذهبوا إلى الجحيم أو بالإنجليزى go to hill وتحيا مصر، وتعيش سيدة مطروح درسًا للجميع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة