عندما اختير الدكتور سعيد توفيق أمينا للمجلس الأعلى للثقافة لم يكن يعرف أين يقع مقر الوزارة فى الزمالك، وظل على الهاتف مع وزير الثقافة الأسبق الصديق المحترم الدكتور شاكر عبدالحميد - وهو يصف له الطريق للوصول لمبنى وزارة الثقافة - إلى أن وصل، الرجل المنوط به رسم السياسات الثقافية للبلاد كان منكبا على دراساته ومشاركاته فى المؤتمرات العلمية، هو أستاذ فلسفة تدرج فى السلك الأكاديمى إلى أن أصبح رئيسا لقسم الفلسفة بجامعة القاهرة من 2009 إلى 2012، استقال من منصبه كرئيس للمجلس الأعلى للثقافة فى عهد الإخوان، وعاد بعد ثورة 30 يونيو، سعيد توفيق متخصص فى تبنى منهجية وتحليل الخبرات الشعورية فى الفن والأدب على المستوى التنظيرى والتطبيقى، هذا ما كتبه عنه الصديق الشاعر «إبراهيم داود»، مدير تحرير صحيفة «الأهرام»، وبالرغم من عزوفى التام والدائم عن الكتابة بالخير عن أى مسؤول فى الحكومة، خاصة العاملين بالثقافة، فأنا كنت دائما سيئ النية وشريرا ولا أرى فى «المثقفين» من جل مسؤولى الحكومات إلا شرا ومعاونة الفاسد على فساده فى مقابل تلقى الفتات الذى يلقى من القمة إلى ما دونه من مستويات متسلطنة على رقاب الخلق والعباد، غير أن الأمر بالنسبة لى بدأ يتغير بتولى الدكتور شاكر عبد الحميد، وزارة الثقافة، فقد قرر الاستعانة بالصديق المحترم «سعيد توفيق» باختياره «الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة» غير أن خيبة أملى فى الإصلاح الثقافى على الأقل قد حلّت علينا جميعا وحلّت على كل أرجاء الوطن بتعيين ذلك الإخوانى المدعو «علاء عبدالعزيز» وزيرا للثقافة مما كان السبب فى استقالة «سعيد توفيق»، لكن لطف الله أدركنا بعد الموجة الثانية للثورة المجيدة فى 30-6 فجاء الرجل المحترم «صابر عرب» للمرة الثانية بعد إشاعات المشتاقين الذين يجاهدون كثيرا للوصول لكرسى الوزارة المصابة بكل الأمراض المزمنة والمستعصية، وكان أول ما فعله المحترم «صابر عرب» هو إعادة «سعيد توفيق» أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة، فذهبت للرجل لتهنئته بعد أن سألت الدكتور شاكر عبدالحميد عن مكان مبنى المجلس، وكنت أعرف أن «المشتاقين» قد بدأوا العمل بهمة ونشاط فى محاولات دؤوبة لإعاقته، استقبلنى الرجل بكل ترحاب ومودة تليق به كمثقف حقيقى مهموم بأمر الثقافة والمثقفين وأهدانى كتابه «الخاطرات: التأملات الأولى فى ظاهرات الحياة والوجود»، وهو على ما أعتقد آخر كتاب يصدر له، هذا الكتاب صغير الحجم - 173 صفحة من القطع الصغير، عظيم المتعة الذى أتى لنا بالفلسفة من برجها الذهبى العالى إلى واقعنا العملى فى خليط بهيج بين «العقل» و«الوجدان»، إنها خاطرات وجدانية صاغها عقل فلسفى يفتح عقولنا ووجداننا بمفتاح استعاره من «شوبنهاور»، كان «شوبنهاور» قد صاغه فى جملة تليق بمتشائم عظيم كان يرى فى الحياة «شرا مطلقا» تلك الجملة التى تقول: «الحياة قصيرة، لكن الحقيقة لها تأثير بعيد وعمر مديد»، فهو يبجل العدم، وقد كتب كتاب «العالم فكرة وإرادة» الذى سطر فيه فلسفته، فلذلك تراه يربط بين العلاقة بين «الإرادة» و«العقل» فيرى أن «العقل» أداة بيد «الإرادة» وتابع له،ا وقد كان «شوبنهاور» أعظم الفلاسفة تأثيرا خارج نطاق الفلسفة ويظهر لنا «سعيد توفيق» أنه «تعلم منه» أن الفلسفة توجد فى الحياة وفى الخبرة بالعالم والناس والأشياء أكثر مما توجد فى الكتب الأكاديمية الضيقة، بهذه الروح سوف نتحدث عن كتاب «الخاطرات».. وللحديث بقية.