هل كان يمكن لمبارك أن يواجه مصيراً آخر؟ مبارك حكم مصر ثلاثين عاماً، وقبلها 6 سنوات نائباً للرئيس السادات.. مبارك تجاوز فى حكمه مدد الرؤساء الثلاثة نجيب وعبدالناصر والسادات، ولم يجاوزه فى العصر الحديث سوى محمد على (من 1805 إلى 1848). وخلال حكم مبارك فى الحكم ولدت أجيال، ورحلت أجيال، وتفككت أنظمة ودول، وبقى مبارك. وبعد رحيله وحتى الآن هناك قطاع لايستهان به يدافع عن مبارك، ويطلب الاعتراف بإنجازاته. بينما تمسك آخرون باعتباره سبب كل مايجرى لأنه حصل على كل الفرص الممكنة ليضع مصر ضمن الدول الكبرى.
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا: هل كان من الممكن لمبارك أن يختار مصيراً آخر، وأن يخرج من السلطة معززاً مكرماً، ليحتل مكانة أفضل من مكانه كحاكم سابق يخضع للمحاكمة؟. التاريخ ليس فيه لو، لكن الفرصة جاءت له مثل الكثير من الفرص التى أتيحت له. وربما كانت الفرصة الأكبر لمبارك، بعد انتخابه رئيساً فى عام 2005، يومها كان مبارك فى السادسة والسبعين وأمامه 6 سنوات تصل به إلى الواحد والثمانين. وكان الحديث عن التوريث بدأ وتصاعد بما يحيطه من غموض.
يومها كانت المعارضة قد اشتدت وظهرت حركات، ورفعت النخبة أصواتها بالتحذير من انهيارات ظهرت بسبب شيخوخة النظام. وكانت هناك مطالب بأن يعلن مبارك بوضوح أنه لن يترشح مرة أخرى، وأنه سيشرف على انتخابات تأتى برئيس جديد. لكنه أعلن أنه سيواصل البقاء «حتى آخر نفس». تاركاً باب التوريث مواربا فى غموض. فى السنوات الأخيرة، كان هناك حديث عن عقد اجتماعى ودستور جديد، يعيد تجديد الدم الذى تجمد، والتكلس الذى أصاب كل شىء. لكنه لم يسمع، وجاءت انتخابات مجلس الشعب فى 2010 لتكشف عن جشع سياسى لفريق جمال مبارك وأحمد عز، ورغبة فى الاستحواذ، والاستبعاد، وهنا كان ضياع الفرصة الأخيرة. وحتى هؤلاء الذين ينفون نية التوريث، لايقدمون تفسيراً لزحف وسيطرة لجنة سياسات جمال. وهو أمر تم بغباء وغياب للرؤية. وخرج مبارك ليؤيد هذا كله، ويبرره. لتبدأ مرحلة السقوط.
لم يفكر مبارك فى إيقاف الانحدار، وربما إنقاذ نفسه من مصير بدا محتوماً. لكنه كان يثق فى قدرته على الاستمرار، بينما كانت الأوضاع تتغير. وبالطبع فقد فكر مبارك فى كل هذا، لكن «لو» غير موجودة فى التاريخ.