(1)
تعلن قناة التحرير عن استعدادها لاستقبال المجموعات الشبابية الراغبة فى إقامة حفلات التحرش والاغتصاب الجماعى، وذلك وفقا لشعار «انبساط المتحرش حق علينا»، وقد رفعت مذيعة القناة مها بهنسى هذا الشعار على الهواء مباشرة، بعد أن ردت على المراسلة التى تخبرها بوجود حالات تحرش فى ميدان التحرير قائلة: «مبسوطين بقى.. يتبسطوا.. ضحكة رقيعة».
«بهنسى» التى تنتمى إلى فصيلة «أنثى العكش» وتقتات على توجيه الشتائم للثورة المصرية، والتمجيد فى زمن فساد مبارك، حاولت أن تستدرك فعلتها الوقحة فى التعليق على كارثة التحرش فى ميدان التحرير، ليلة تنصيب السيسى رئيسا، وقالت إنها لم تكن تعرف أنها على الهواء مباشرة، وتبرير «بهنسى» مثير للشفقة ويكشف لك عن أى مستنقع يتعايش بداخلها الكائنات «البهنسية» التى ترى أن ارتكاب الذنوب فى الخفاء، أمر مختلف عن ارتكابها على الهواء مباشرة، ولا تدرك حتى هذه اللحظة أن الكارثة فى تعليقها الفج والوقح على واقعة التحرش، ليس فى إعلانها على الهواء مباشرة، ولكن فى وجود عقول تؤمن بمثل هذه الترهات والقاذورات الفكرية.
أصابنا جميعا «القرف» من قىء بهنسى، ثم انتظرنا أن يخرج علينا عماد جاد المدير المسؤول عن المحطة ببيان اعتذار أو عقاب، ولكن أحدا لم يفعل، وتعلمنا قديما فى المدارس منذ كنا صغارا، أن الصمت من علامة الرضا.. لذا وجب التنويه وتسجيل براءة الاختراع الجديدة التى تنص على أن حفلات التحرش والاغتصاب، ليست جريمة بل تعبير عن الانبساط والفرحة باسم «بهنسى» وقناة التحرير.. لا تقلقوا سيذكركم التاريخ بما تستحقون.
(2)
هذا عن الكائنات البهنسية.. أما فيما يخص الرجولة المصرية، هؤلاء الذين تقول بطاقاتهم الشخصية أنهم يحملون صفة الذكورة، ووقفوا آلافا يشاهدون سيدة يتم تعريتها واغتصابها فى قلب ميدان عام، حان الآن الموعد الرسمى لإخبارهم بالحقيقة القائلة، بأن فكرة «الجدعنة» فى شوارع مصر أصبحت أسطورة نادرة، مثلها مثل الغول والعنقاء والخل الوفى..
لقد تعبنا من الأساطير ومن الصور الحلوة التى ترسمونها لأنفسكم كشعب عظيم وطيب، كل حوادث التحرش الجماعى التى تعانى منها مصر على مدار السنوات الطويلة، تؤكد أننا لا شعب طيب، ولا شعب جدع، ولا شعب متدين بطبعه، كما حفظوك فى المدارس وفى الفضائيات المتاجرة بالوطنية.
الأساطير المصرية تبدو مضحكة حينما تنظر إلى عدة نقاط، يمكن استخلاصها من حادثة تحرش ميدان التحرير، وماسبقها من حالات أخرى..
1 - الرجال المصريون كانوا بالآلاف فى الميدان، ولم يتدخل أحدهم لحماية المرأة من التعرية، بل تطوع أحدهم بتصويرها فيديو.. هكذا لم تتحرك شجاعتهم أو شهامتهم لإنقاذ أنثى من الاغتصاب.. نحتاج إلى تحرير مصطلح الرجولة وإعادة صياغته من جديد، وعدم قصره على كل من يمتلك عضوا ذكريا منحته له الطبيعة وفقا للظروف التشريحية.
2 - ثقافة الفضح فى مجتمع أشهر دعوات عجائزه هى الستر تستحق الدراسة، لأن من صور فيديو التحرير لم يكتف بذلك، بل نشره على اليوتيوب، وتداوله عشرات الآلاف وكأن المجتمع يريد أن يشارك فى عملية الاغتصاب والانتهاك الجماعى بفضح السيدة المكلومة
3 - فى حالة من الإصرار الإخوانى على خصام المجتمع، أو على الأقل توجد حالة تصميم إخوانية على نزع آخر ورقات التوت عن جسد الجماعة الممتلئ بالنواقص الأخلاقية.. بدليل أن كل التعليقات الإخوانية جاءت فى سياق الشماتة والتشفى.. ومثلما قالوا على ست البنات التى سحلت فى التحرير «إيه وداها هناك» قالوا نفس الجملة وأضافوا عليها عبارات مثل «تستاهل علشان مؤيدة للسيسى ونزلت ميدان الحشاشين، وإن ربنا بينتقم لعفيفات رابعة».
4 - الدولة متورطة بدليل أننا لم نسمع حتى هذه اللحظة عن خبر أو بيان يقول بأن القيادات المسؤولة عن تأمين ميدان التحرير ليلة الاحتفال بتنصيب السيسى، تعرضت للمساءلة أو التعذير أو التعنيف أو التحقيق.
(3)
بعد كل حادثة تحرش، نجلس ونظهر على الفضائيات ونفتح مراكز الأبحاث تفتيشا عن سبب، أو عن حل، ونسأل هل المشكلة فى الخطاب الدينى، أم تقاليد المجتمع أم الانفلات الأمنى أم القوانين الرادعة، أم تكمن المشكلة فى الدفن المتكرر لرؤوسنا داخل الرمال؟
ثم يأتى السؤال الآخر هل حل أزمة التحرش فى يد الدولة وأجهزتها الأمنية الرادعة بقوة القانون أم فى إصلاح المجتمع وإعادة صياغة أخلاقه وتقاليده التى ضاعت، من أى نقطة نبدأ هذا السباق قبل أن تدهشنا الشوارع بمشاهد تحرش جديدة.
يقول البعض إن المجتمع هو البداية الصحيحة لمواجهة التحرش، وإن كان يقصد بذلك المواجهة العنيفة بجلد المتحرشين أو ملاقاتهم فى الشوارع وربطهم للأعمدة، وتصويرهم وفضحهم فى وسائل التواصل الاجتماعى، فذلك حل مؤقت ستتبعه بالتأكيد فوضى تضر الجميع، أما إن كان يقصد إعادة صياغة أخلاق المجتمع، فذلك حل طويل المدى، وغير مأمون النتائج لأن المجتمع الذى تطالبه بمواجهة التحرش هو نفسه المجتمع الذى يشارك رجاله فى حفلات التحرش، إما بالفعل أو بالمشاهدة أو بتصوير الفيديو أو التواطؤ أو اتهام المرأة بأنها السبب.
حسنا لن يفلح المجتمع كنقطة بداية لمواجهة التحرش، تبقى الدولة وجهازها الأمنى، والحقيقة المعطيات المصرية تقول بأن بداية مواجهة التحرش من داخل الدولة، ربما يكون أفضل، ولكن بشرط ألا تضع آمالا فى نجاح تلك البداية على الدولة القديمة، أو الدولة القائمة، لأن المؤسسات القائمة الآن هى نفسها التى شجعت التحرش أو على الأقل جلست تتفرج على هذه الظاهرة وهى تتوحش وتنتشر فى الشوارع، دون أن تصدها أو تردها أو تئدها فى مهدها، وتركت حفلات التحرش الجماعى تتكرر كل عيد حتى أصبحت من طقوس الأعياد مثلها مثل الكحك. نحن أمام حالة إلحاد مجتمعى، حالة كفر بهذا المجتمع والدولة التى ترعاه، والكافر بهذا المجتمع والملحد بمؤسسات الدولة القائمة لن يتحرك لمواجهة ظاهرة بهذه الخطوة إلا عبر إعادة تأسيس الدولة من جديد، دولة تؤمن أجهزتها الأمنية ومؤسساتها التشريعية، أن التحرش أو التعرض للمرأة المصرية فى الشارع جريمة، وليست مجرد حادثة فردية هدفها تشويه سمعة مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة