نعود اليوم مجددا مع شهادة د. محمود جامع الثرية على عصره والتى وصلنا فيها إلى شهادته على الرئيس الأسبق حسنى مبارك إبان كان نائباً للرئيس وفى الفترة الأولى من رئاسته.. والتى كان د.جامع له علاقة بأركان الحكم ولو على سبيل الخصومة.
إذ حكى لنا د. جامع كيف أن مبارك سجنه قرابة 6 أشهر حتى برأه القضاء بحيثيات قوية، وكيف طيب مبارك خاطره وقبل رأسه 3 مرات لشعوره بأنه ظلمه، وأن هناك من أوغر صدره على د. جامع بالكذب والبهتان.
واليوم يحكى لنا د. جامع عن علاقة مبارك بالمشير أبو غزالة، ولماذا عزله وكيف تفنن فى طريقة عزله وأسرار أخرى كثيرة.
سألت د.جامع ما رأيك فى شخصية الرئيس مبارك، فقال: هو رجل عسكرى منضبط جدا فى بداية رئاسته.. وكان يستمع أكثر مما يتكلم.. وكان كثير الشك فيمن يقترب منه ومن الناس عامة.. وهو شخصية انطوائية فى مجملها.. وقليل الكلام والسفر.. ولا يحب العلاقات الكثيرة ولا يتوسع فيها.. ودائم التحفظ.. وهو الوحيد الذى ضحك على السادات ولديه حاسة أمنية قوية.. ويقدم عنصر الأمن على كل العناصر الأخرى.. واعتقد أن زوجته وأولاده وبعض رجاله المحيطين به هم الذين أضاعوه.
قلت له: هل تولد الشك والتوجس لديه نتيجة توليه الحكم لحظة اغتيال السادات وشهوده لعملية الاغتيال؟
قال: لا.. هذه كانت موجودة من قبل وزادها اغتيال السادات إلى جواره.. وكذلك المحاولات العديدة لاغتياله حتى أصبحت أهم صفاته.
قلت له: ما الفرق بين مبارك وأبو غزالة؟.. قال: الفرق كبير جداً.. فكل منهما له شخصية تختلف عن الآخر تماماً.
فأبو غزالة كان عبقرياً وفليسوفاً ومتبحراً فى كل العلوم.. وله كتب كثيرة منذ أن كان ضابطاً صغيراً.. وكان محبوباً من الجميع.. وكانت له شعبية طاغية فى الجيش.. وكان أشبه بالفلاح البسيط وابن البلد.. وكان متدينا وله كتب عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم.. وكانت له كاريزما.. وحينما كان يأتى ليحاضر فى كوادر الحزب الوطنى بعد نائب الرئيس مبارك فى عصر السادات.. كان الجميع يشعر بالفرق الهائل بينهما فى الثقافة والفكر.. وكان محبوباً من الأمريكان وكذلك الدول العربية.. وهو الذى قاد منظومة تحويل سلاح الجيش المصرى من المنظومة الشرقية الروسية إلى المنظومة الغربية الأمريكية.. ولذلك خاف مبارك منه جداً وشعر أنه يمكن أن «يقلبه» وأن الأمريكان يمكن أن يوافقوا على ذلك.. فقام بعزله بخديعة كبرى وذكاء خارق.
قلت له: كيف تم ذلك؟
قال د. جامع: أوهم مبارك وزير دفاعه القوى أبو غزالة أنه سيعينه نائباً للرئيس.. فاطمأن الأخير لذلك وهيأ نفسه لهذا الأمر.. وفى أحد الأيام قال له مبارك: تعالى من أجل أن تحلف اليمين.. ففرح أبو غزالة وأدرك أن وعد مبارك له سيتحقق مكافأة له على دحر تمرد الأمن المركزى.. فذهب إلى القصر الجمهورى حيث فوجئ هناك أنه يحلف اليمين كمساعد لرئيس الجمهورية «أى شلوت إلى أعلى».. حيث أن هذا ليس بمنصب على الإطلاق.. وهو منصب وهمى.. وكل من شغله كان لا يذهب إلى الرئاسة أصلاً.
وهو بالمناسبة مثل المنصب الذى أعطاه د. مرسى للمشير طنطاوى والفريق عنان بعد عزلهما من الجيش.
قلت له: وماذا صنع أبو غزالة أمام هذا المقلب الفظيع؟
قال: كان مبارك قد جهز كل شىء ولم يعط لـ«أبوغزالة» رحمه الله أى فرصة لأى شىء.. فقد أعطاه رسالة فورية تسلم للرئيس صدام حسين وأمره بالسفر فوراً إلى العراق والبقاء هناك عدة أيام كأول مهمة له فى هذا المنصب.. واستدعى نظير أبو غزالة الوحيد وهو الفريق يوسف صبرى أبوطالب الذى كان محافظاً للقاهرة وقتها، وأعاده إلى الخدمة العسكرية وهو أقدم من أبو غزالة ومن نفس سلاحه «المدفعية» كمرحلة انتقالية.. وبعدها عين المشير حسين طنطاوى، وهو الوحيد الذى مكث فى هذا المنصب الرفيع 22 عاماً متواصلة وكان محل ثقة الرئيس مبارك.
قلت له: هل يمكن القول أن الأمريكان باعوا أبو غزالة لمبارك؟
قال د. جامع: نعم يمكن القول بذلك.. وأبو غزالة لم يفكر فى الانقلاب على مبارك.. ولو أراد ذلك فكان يمكنه خلع مبارك أثناء تمرد الأمن المركزى حيث احتل الجيش القاهرة كلها.
ولكن مبارك ظن السوء فى أبو غزالة، وزاده فى هذا الظن نزول الجيش للقاهرة 1986 وإنهائه لمشكلة الأمن المركزى بسهولة، وارتفاع سهم أبو غزالة محليا وإقليميا وأمريكياً.
قلت للدكتور جامع: المعروف أن المشير أبو غزالة كان متديناً.. فهل كانت له علاقة بالإخوان؟
قال: الله أعلم.. ولكن زارنى المرحوم صالح أبو رقيق رحمه الله وهو من قيادات الإخوان المعروفة منذ الأربعينيات والخمسينيات.. وقال لى: أبو غزالة تلميذى وهو من الإخوان.. وطلب منى أن نزوره سوياً فزرناه سوياً.. وفاتحه أبو رقيق فى مسألة عودة الإخوان، فقال له أبو غزالة: أنا شخصياً ليس لدى مانع بشرط موافقة الرئيس حسنى مبارك، وحينما فاتح أبو غزالة مبارك فى الأمر قال له الأخير: لابد من موافقة الأمريكان.. وبعدها قال أبوغزالة لصالح أبو رقيق: كلم الأمريكان فى أمر عودة الإخوان، ولكن لا تذكر اسمى فى هذا الأمر على الإطلاق.
قلت له: وهل حاول الإخوان التحدث مع الأمريكان فى هذا الأمر فى أوائل الثمانينيات.. قال: نعم.. حاولوا أكثر من مرة أخذ موافقة الأمريكان.. ولكن الأمريكان رفضوا الأمر تماماً.
قلت له: من هو أحسن شخصية فى جماعة الإخوان قابلتها؟
قال: أفضل شخصية أعجبتنى فى الإخوان المرحوم الشيخ عمر التلمسانى فقد كان متفتح الذهن واسع الأفق، يتواصل مع الناس جميعا، ويتعاون مع كل الاتجاهات.. يكسب الناس ولا يحمل حقداً ولا ضغينة لأحد.. ولا يكره أحداً على الإطلاق، ومتصالح مع نفسه ومجتمعه تماماً.. وكان لا يدعو على الرئيس عبدالناصر أبدا، رغم أنه سجن فى عهده 16 سنة.. واستطاع كسب ود جميع أجهزة الدولة وكل القوى السياسية والمجتمعية فى عصره.. وحينما كان حاضراً لمؤتمر الإسماعيلية وهاجمه الرئيس السادات قال التلمسانى: لمن أشكوك.. لو ظلمنى غيرك لشكوته إليك.. ولكنك رئيس الجمهورية فلمن أشكوك.. إننى أشكوك إلى الله.
فهزت الكلمات الرئيس السادات وارتعشت يده.. ووقع «البايب» من يده.. وخشى من دعوته.. وقال له: اسحب شكوتك يا عمر.. وهو يكررها مراراً.
وقد عين السادات التلمسانى عضواً فى مجلس الشورى، فرفض ذلك حيث كان يكره المناصب.. وكان له دور عظيم فى إطفاء نيران الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين فى منطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة فى السبعينيات.. والتى كادت أن تتحول إلى مذبحة مروعة.. ولو كان التلمسانى الآن قائداً للإخوان ما حدثت كل هذه الصراعات ولا الدماء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة