فى مثل هذه الأيام التى كانت تسبق افتتاح مباريات كأس العالم فى إسبانيا سنة 1982 كنت فى دمشق بعد أن طلب منى صديقى «عاطف بسيسو» أن ألحق به فى دمشق، كانت إسرائيل قد أعدت خطة غزو لبنان للتخلص النهائى من «منظمة التحرير الفلسطينية» التى هى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى داخل وخارج فلسطين، وهى منظمة سياسية شبه عسكرية ومعترف بها فى الأمم المتحدة والجامعة العربية، كانت إسرائيل تنتظر الذريعة لبدء تنفيذ الخطة فى 3 يونيو 1982 حيث قامت منظمة «أبونضال» بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلى فى لندن بالتدبير مع الموساد الإسرائيلى كما تبين الأمر فيما بعد، وكان «أبونضال/صبرى البنا» قد انشق عن «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية بل إنه لم يقتل إسرائيليا واحدا واغتال العديد من أعضاء منظمة التحرير «عصام سرطاوى، سعيد حمامى، عزالدين قلق، وغيرهم ومن العرب «يوسف السباعى»، وحاول اغتيال عرفات، إلا أن إسرائيل اتخذت من عملية محاولة اغتيال «شلومو أرجوف» السفير الإسرائيلى فى لندن ذريعة لتنفيذ مخططها باجتياح لبنان والقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، فأمر «شارون» و«بيجن» بضرب كل قوات ومكاتب منظمة التحرير الفلسطينية فى بيروت الغربية مما تسبب فى مقتل 100 شخص، وردت منظمة التحرير الفلسطينية بإطلاق الصواريخ والمدفعية من جنوب لبنان على شمال إسرائيل، كان ذلك بمثابة الذريعة المباشرة لإسرائيل للقيام بالاجتياح.
كنت، تبعا لرأى صديقى «عاطف بسيسو» قد تركت بيروت وطلبت من مسؤولى المباشر فى الإعلام الموحد بمنظمة التحرير الكاتب والمناضل «زياد عبدالفتاح» إيقاف مخصصى وأن يسمح لى بترك عملى فى وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، وتبعا لنصيحة «عاطف بسيسو» غادرت «بيروت» إلى جنوب لبنان فى مدينة «صور» واختار لى «عزمى الصغير» القائد العسكرى لمدينة «صور» شقة صغيرة فى شارع «القدس» قريبا من سوق المدينة، وعندما بدأت إسرائيل غزو لبنان من حدودها الجنوبية فيما أطلقت عليه إسرائيل اسم «عملية السلام للجليل» و«عملية الصنوبر»، طلب «عاطف بسيسو» من «عزمى الصغير» أن يساعدنى فى مغادرة «صور» إلى «دمشق» لألحق به هناك، وكانت دبابات «ميركافا» تفتش كل السيارات على الطريق العسكرى ولم يكن هناك أثر لأى دبابة سورية بما فهم الجميع بأن القوات الإسرائيلية فى طريقها إلى بيروت، وكانت قد تشكلت منذ أسبوع تقريبا القيادة المشتركة للقوات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية أو «هيئة الإنقاذ الوطنى» فى بيروت بدعوة من الرئيس اللبنانى «إلياس سركيس» ضمت زعماء الطوائف الرئيسية فى لبنان وكتيبتين سوريتين استمرتا فى القتال بعد ذلك حيث كان هدف «هيئة الإنقاذ» هو منع تفاقم أزمة المواجهة المسلحة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ولكن بعد ذلك تدريجيا أصبحت «هيئة الإنقاذ» هذه عاجزة عن إنجاز أية نتيجة ملموسة، وبعد 9 أيام من تشكيلها انسحب «وليد جنبلاط» منها واصفًا إياها بـ«هيئة دفن القتلى».
فى «دمشق» وفى كافتيريا «لا تيرنا» كنت أتابع بطولة كأس العالم فى كرة القدم وكان مذيع المباراة يقول إن هذه هى البطولة الأولى التى تضم 24 فريقا بدلا من 16 فريقا فى البطولات الماضية، وكانت المباراة بين «الأرجنتين» حاملة اللقب وبين «بلجيكا» فى المباراة الافتتاحية على ملعب «كامب نو» فى مدينة «برشلونة»، حيث جلس الجميع يشربون «الشاى» و«الزهورات» وهم يمنون أنفسهم بالاستمتاع بنجم جديد قالوا إن اسمه «دييجو مارادونا»، حيث كنت أنا مهموما بشىء واحد هو اتخاذ قرار عودتى إلى مصر لكن كان لدى مشكلة صغيرة هى أنى فقدت جواز سفرى.