للمرة الثانية، وفى أقل من أسبوع، يرى المصريون الرئيس فى مواقف لم يعتادوها ولم يألفوها، فالرئيس أو الملك أو الفرعون المصرى فى وعى الشعب هو نصف إله يحكم على الأرض، لا يمشى فى الأسواق بين الناس، ولا يأكل طعامهم، ولا يلتقى بهم إلا ما تيسر عبر إطلالة من شاشات التليفزيون، أو فى موكب رسمى فى حراسة رجال الأمن. ربما كسر القاعدة ظهور الرئيس عبدالناصر بين الجماهير، وكان هذا استثناء شذّ عن القاعدة المصرية التاريخية للحكام. المصريون مع نوعية جديدة من الرؤساء، رئيس جديد يعتذر لأول مرة، وفى واقعة نادرة الحدوث للشعب، ويأسف عما حدث لمواطنة مصرية عادية لما جرى لها من سلوك حيوانى فى ميدان التحرير. الرئيس يذهب بنفسه حاملًا باقة ورود حمراء للسيدة ضحية التحرش فى المستشفى ليعتذر لها شخصيًا «بشحمه ولحمه» فى مفاجأة رئاسية أدهشت خصومه السياسيين قبل أنصاره ومؤيديه. اللفتة الإنسانية حازت تقدير واحترام الجميع، فالرجل العسكرى يقدم صورة جديدة مبهرة للرئيس وهو يحمل الورود الحمراء.
الرئيس يبدو أنه يدرك جيدًا أهمية وخطورة الصورة وتأثيرها على الناس فى الداخل والخارج، والرسالة التى تحملها لمن يراها، ويبدو أنه قد درس جيدًا ما قامت وتقوم به الدول الكبرى فى تصدير صورة القوة و«الفتوة» والأمن والاستقرار للعالم الخارجى، فالولايات المتحدة هى صنيعة الصورة السينمائية والفوتوغرافية ثم التليفزيونية بهوليوود والسى إن إن، ونجحت فى الاستحواذ على صناعة السينما فى العالم للتأثير عليه، ثم السيطرة على عقل ووجدان شعوبه.
بالأمس جاء المشهد الثانى، وظهر السيسى، الرئيس الشاب الرياضى، وسط الآلاف فى ماراثون الدراجات فى «جمعة الرئيس» فى صورة أخرى، ورسائل جديدة أكثر قوة وتأثيرًا.
يوم الجمعة.. الإجازة التقليدية للمصريين يقود الرئيس رئيس حكومته وعددًا من وزرائه ومئات الفنانين والرياضيين وشباب الجيش والشرطة وطلاب الجامعات بعد الفجر بقليل فوق الدراجات، فهذا يوم عمل عادى بدأ مبكرًا، وكما يقال: الناس على دين رؤسائهم وملوكهم، والرئيس الجديد يستنهض من نفوس المصريين معانى إنسانية وسلوكيات حضارية مصرية صميمة كادت أن تختفى أو اختفت بالفعل تحت ركام العادات القبيحة والسيئة منذ السبعينيات.