بلا مقدمات.. صدمت وحزنت عند سماع خبر وفاة عبدالله كمال، لأسباب كثيرة، منها رحيله المبكر، وتأثيره فيمن حوله. وكثير من مواقف يذكرها من عملوا معه وزاملوه.
كانت بيننا خلافات واضحة وكلها ماتزال مسجلة فى صحف مطبوعة. كنت أكتب فى صحيفة العربى فى مواجهة الحزب الوطنى وجمال مبارك، وكانت العربى من أكثر الصحف التى بدأت المعارضة ضد التوريث مبكرا، وفى مواجهة تدخلات جمال مبارك ولجنة السياسات. واعتدت أن أكتب مساحة ساخرة فى صفحة «الجورنالجية» بالعربى، وأطلقت اسم «لجنة السياسات والرحلات» على لجنة السياسات بالحزب، وعن الحزب نفسه وتكلسه وملاعيبه. وكثيرا ما دخلنا فى معارك على صفحات العربى، والجيل، وغيرها كنت أنتقد مواقف وكتابات عبدالله بخشونة وعنف، وكثيرا ما كان يرد بنفس الخشونة، لكنها معارك لم تتطرق للشخصى أو التطور للسب، وتصادف أن جمعتنا لقاءات، كانت تتسم بود متحفظ. لكنه كان يعترف باحترامه للخلاف.
كان عبدالله ضمن قطاع اختار المقامرة على جمال مبارك، من دون أن يتجاوز التأييد لمبارك الأب. ولم يخف ذلك، ولم يتبرأ منه بعد انتهاء دولة مبارك، على عكس كثيرين انقلبوا وتشقلبوا وحاولوا التملص من مواقفهم فى حملات مبارك الأب، والابن. وهى مواقف مسجلة بالصوت والصورة والبينة والقرائن.
عبدالله كمال استمر فى وجهة نظره، واصل عمله وأصر على التمسك بمهنته وعمله، حتى أسس مشروعه الصحفى الخاص، ورحل قبل أن يرى اكتماله. وبالرغم من أنه كان رئيسا لتحرير روزاليوسف وتحمل إصدارها يوميا، لم يجلس ليبكى على مكانة زالت، وحرص على أن يبدأ من الصفر فى بناء مشروع صحفى وإعلامى.
من اختلفوا أو اتفقوا مع عبدالله كمال من زملائه فى العمل اعترفوا أنه كان يمتلك دائما بعدا إنسانيا، وأنه كان ينحاز للمهنة، ويحرص قدر الإمكان على إتاحة فرص التعبير للمختلفين معه، فى حدود إمكانات المكان.
انتهت رهانات عبدالله كمال بتنحى مبارك، لكنه تمسك بكونه لديه ما يقوله من أفكار وتحليلات، لم تخل من اطلاع ومعرفة ووجهة نظر، مخدومة بالتفكير والجهد. فضلا عن اقتناعه بما يكتبه، ويتبناه من مواقف.
رحل عبدالله وترك مساحات فراغ لدى كثيرين اختلف بعضهم أو اتفق معه، وكان حتى اللحظة الأخيرة، يتمسك بعمله ومهنته، وهى ميزات ربما لم يدركها بعض ممن فضلوا الشماتة فى موته، وكأن الموت عقاب وكأنهم مخلدون، الحساب، لله وحده. لكن عبدالله كان أفضل ممن تشقلبوا، وممن شمتوا.. لأنه ترك أثرا بعد الرحيل.