يحيى حسين عبدالهادى

كيف يتم اختيار الوزراء فى مصر؟

الإثنين، 16 يونيو 2014 09:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«الارتجال» فى اختيار الوزراء عنوان لفترة ثورة يناير وحتى الآن
أكتبُ هذا المقال مساء السبت، ومن المفترض عندما يُنشر (صباح الاثنين) أن يكون وزراء حكومة المهندس/ إبراهيم محلب الثانية فى طريقهم إلى حلف اليمين أمام السيد/ رئيس الجمهورية.. وأدعو الله من قلبى ألا تضم كثيراً من الأسماء التى (بشّرنا) الإعلام بها.. حيث إن مجرد ترشيحها (وليس اختيارها) كارثةٌ بكل المعايير وطعنةٌ لآمال المصريين بعد ثورتين كبيرتين وآمالٍ مكتسحةٍ وضعوها فى رئيسهم المنتخب.. وهو ما يُعيد طرح السؤال المتجدد: كيف يتم اختيار الوزراء فى مصر؟.
والحقيقة أن إجابة السؤال تختلف باختلاف المراحل مع بعض الاستثناءات والوقائع الطريفة.
أولاً: قبل 1952:
كان المعتاد أن يكون الوزراء من قيادات الحزب المُكلّف بتشكيل الوزارة.. ولم يكن بالضرورة حزب الأغلبية، ففى مراتٍ كثيرةٍ كان الملكُ يُكلّف أحد أحزاب الأقلية مباشرةً أو بعد تزوير الانتخابات.. لكن فى جميع الأحوال كان الوزراء من الحزبيين بغّض النظر عن خلفيتهم المهنية (فؤاد سراج الدين نموذجاً).
ثانياً: بعد ثورة 1952 حتى 2004:
رغم التباين الكبير بين رؤساء الجمهورية خلال هذه الفترة الطويلة (حوالى نصف قرنٍ)، واختلاف توجهات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الأسلوب العام لاختيار الوزراء كان كالآتى:
1 – رئيس الجمهورية وفقاً للدستور هو الذى يختار رئيس الوزراء مباشرةً (والوزراء أيضاً) وهو الذى يعزلهم أيضاً.. وفى ظل انعدام الحياة الحزبية أو ضعفها، لم يكن هناك أى احتمالٍ لتكليف مُعارضٍ بالوزارة (فضلاً عن رئاستها).. وإن كان عبدالناصر قد اختار فى بعض الأحيان بعض منتقدى سياساته (الدكتور محمد حلمى مراد نموذجاً).. كما اختار السادات بعض الوزراء اليساريين (على العكس من توجهاته الاقتصادية والاجتماعية) فى بدايات حكمه بعد إطاحته برموز الفترة الناصرية فى مايو 1971 لطمأنة قواعد الاتحاد الاشتراكى داخلياً وطمأنة الاتحاد السوفييتى خارجياً.
2 – رئيس الجمهورية يختار عدداً من الوزراء مباشرةً وفقاً لمعاييره (سواء ما اصطُلح على تسميته بالوزارات السيادية أو غيرها) وبالطبع فإن معايير عبدالناصر تختلف عن معايير السادات التى اختلفت عن معايير مبارك.. وما يتبقى من الوزارات بعد اختيارات رئيس الجمهورية يُترك لرئيس الوزراء حرية الترشيح لها.
3 – يُرشِّح رئيس الوزراء المُكلَّف عدداً من الشخصيات التى يعرفها لبعض الوزارات ويعرضها على عددٍ من الأجهزة التى تُبدى له رأيها من حيث عدم وجود موانع من حيث النزاهة المالية (الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة) وعدم وجود موانع سياسية (أمن الدولة) بالإضافة طبعاً للأمن القومى.. ورأى هذه الأجهزة كان مُلزماً.
4 – أما باقى الوزارات فإن كلاً من الأجهزة السابقة يُقدم لرئيس الوزراء قائمةً بها من 3 إلى 4 مرشحين لكل وزارةٍ، يلتقيهم ويختار منهم.. وكانت القوائم جاهزةً عند هذه الأجهزة دائماً ويتم تحديثها باستمرار.
5 – لا يخلو الأمر من طرافةٍ فى بعض الأحيان مثل الواقعة التى رواها الدكتور جلال أمين.. إذ كان عبدالناصر بعد بيان 30 مارس 1968 يُشكّل وزارةً جديدةً يُحاول أن يُدخل فيها بعض الأسماء الجديدة التى تتمتع بشعبيةٍ وبتقديرٍ عام ومن المعروفين بالنزاهة والاستقامة واستقلال الرأى حتى عن رأى عبدالناصر نفسه (وهى الوزارة التى اُختير فيها الدكتور محمد حلمى مراد).. وكان عبدالناصر رئيساً قارئاً ووقع اختياره على الدكتور إسماعيل غانم عميد حقوق عين شمس المعروف بميوله الاشتراكية واستقلاله بالرأى.. فعبّر عبدالناصر عن رغبته فى أن يدخل الوزارة (الدكتور غانم بتاع حقوق عين شمس).. دون أن يلتفت إلى أن فى كلية حقوق عين شمس غانمين وليس غانماً واحداً.. العميد إسماعيل غانم والوكيل حافظ غانم.. ولسببٍ ما فإن الوزارة عُرضت على الوكيل الدكتور حافظ غانم (وكان رجلاً فاضلاً ولكن لم يُعرف عنه استقلال الرأى كالعميد الدكتور إسماعيل غانم).. كان هذا الخطأ، إذا صحّت الرواية، هو السبب فى وجود حافظ غانم لنحو عشرة أعوامٍ فى أعلى مستويات السلطة، فقد تنقّل من وزارةٍ لأخرى، ومن عهد عبدالناصر إلى عهد السادات، وانتهى به الأمر إلى أن يصبح المسؤول الأول عن الاتحاد الاشتراكى، دون أن يترك فى الواقع أى أثرٍ على الحياة السياسية فى البلاد.
ثالثاً: من 2004 حتى ثورة يناير 2011:
مع تكليف الدكتور/ أحمد نظيف بتشكيل الوزارة فى يوليو 2004، وسيطرة شلّة الحرس الجديد من رجال الأعمال أصدقاء نجل الرئيس، حدث انقلابٌ شاملٌ فى معايير اختيار الوزراء التى اعتادت عليها أجهزة الدولة على مدى أكثر من نصف قرن.. فقد كان من بديهيات اعتراض هذه الأجهزة من قبلُ وجود شبهة تضارب مصالح، فإذا برجال الأعمال يتولون الوزارات التى تعمل فى إطارها شركاتهم، وهو أمرٌ ضد فطرة كل الأجهزة الرقابية.. تم ضرب عرض الحائط بتقارير الأجهزة وأصبح الآمر الناهى بلا مُنازع هو أمانة سياسات الحزب الوطنى برئاسة الأستاذ/ جمال مبارك ابن رئيس الجمهورية الذى ليس له صفة.. وقد اعترضت الأجهزة بوضوحٍ شديدٍ على ثلاثة وزراء بالتحديد لفساد معاملاتهم فى السوق (بغضّ النظر عن تضارب المصالح) حيث كان على بعضهم أحكامٌ بخصوص شيكاتٍ بدون رصيد على سبيل المثال (اثنان منهم دخلا السجن بعد ثورة يناير). المشكلة أن هؤلاء الوزراء أتوا معهم بالعديد من الحواريين والعاملين فى (أو مع) شركاتهم وأدخلوهم فى نسيج الدولة المصرية وثبتوهم فى وظائف الدولة وترقّوا فيها (فى الوزارات والمؤسسات العامة والصحف الحكومية والبنوك) وأصبحنا أمام واقعٍ جديدٍ.. فمن أتى به وزيره صبياً من عشر سنواتٍ أصبح الآن رئيس بنكٍ أو مؤسسةٍ أو وكيل وزارةٍ على الأقل.. وأصبحوا فى دائرة الترشيحات الجديدة لا سيما الوزارات الاقتصادية.. ولعلّ ذلك ما يُفسر الشعور العام بأن جينات أمانة السياسات لا زالت تسيطر على مؤسسات الدولة بعد ثورتين.
رابعاً: من ثورة يناير إلى الآن:
يمكن اختيار كلمة (الارتجال) فى اختيار الوزراء عنواناً لهذه الفترة التى يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل:
1 – فترة المجلس العسكرى السابق:
فوجئ المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه أصبح مسؤولاً عن إدارة البلاد التى لم يكن مشاركاً فى إدارتها من قبل، لذلك لجأ إلى العديد من أسماء النخبة السياسية (ولجأ إليه بعضهم) لترشيح وزراء.. ولم يكن كثيرٌ من الاختيارات مُلبياً لطموحات الشعب الثائر.
ومن طرائف هذه الفترة، أنه مثلما تم تعيين وزيرٍ بالصدفة قبل أربعين عاماً كما ذكرتُ فى بداية المقال، فقد طار وزيرٌ بالصدفة فى إحدى الوزارات المبكرة عقب ثورة يناير.. فقد كان الصديق الدكتور/ أحمد البرعى مرشحاً لوزارة القوى العاملة والدكتور هانى سرىّ الدين مرشحاً لوزارةٍ أخرى.. وكان قليلون يعرفون أن الثانى زوج ابنة الأول.. الذى لَفَت نظر متخذ القرار هو الدكتور البرعى نفسه، إذ تساءل بحسّه السياسى إن كان لائقاً أن يضم التشكيل وزيراً وحماه فى آنٍ واحدٍ.. وحاول بشدةٍ أن يتنازل عن الوزارة إلا أن القيادة استبقت الدكتور/ البرعى واستبعدت الدكتور/ هانى (لعل الأقدار احتفظت بالدكتور هانى لمرحلةٍ أخرى). بالمناسبة، كان ثلاثة من وزراء نظيف أبناء خالة ولم يستشعر أىٌ منهم الحرج!.
2 – فترة الدكتور/ محمد مرسى:
اقتصرت الاختيارات (باستثناءاتٍ قليلةٍ) على أعضاء الجماعة.. ولم يكن معيار المفاضلة داخل الجماعة هو أيهم أكثر سجناً كما أشاع البعض.. وإنما بدا بوضوح أن أفضلية الاختيار هى لشلّة الدكتور مرسى والمهندس خيرت الشاطر دونما اعتبارٍ للكفاءة أو المؤهل.. ولعلّ هذا ما يُفسر الإصرار على تصعيد الدكتور/ حسن البرنس غير المقبول شعبياً مع تحجيم الدكتور/ حلمى الجزار.. ولعل اختيار يحيى حامد (المشهور بوزير الساندويتشات) وزيراً للاستثمار وقطاع الأعمال مثالٌ صارخٌ على ذلك.. إذ رغم وجود عددٍ من القيادات الإخوانية الشابة الحاصلة على شهاداتٍ علميةٍ فى المجال، إلا أن الاختيار وقع عليه ليكون وزيراً للاستثمار وقطاع الأعمال رغم أن خبرته تتركز فى بيع كروت الشحن والشحن على الطاير ثم انضم إلى الحملة الانتخابية للدكتور مرسى فى 2012 فكافأه الرئيس بعد انتخابه بضمه إلى مستشاريه فى القصر الرئاسى ثم تعيينه وزيراً.
3 – فترة المستشار/ عدلى منصور:
مع مراعاة الظروف والتهديدات التى أحاطت بتشكيل الحكومة الأولى برئاسة الدكتور/ حازم الببلاوى، ورغم بعض الملاحظات على تشكيلها (لا سيما المجموعة الاقتصادية)، إلا أن أخطاء التشكيل لم تكن بفداحة حكومة المهندس/ إبراهيم محلب، نظراً للثقافة السياسية والاقتصادية الرفيعة للأول، وانعدامها تقريباً عند الثانى رغم إقرارنا بأنه تنفيذىٌ ومقاتلٌ بامتياز ولديه قبولٌ عام وتواصلٌ مع الجماهير.
قبل رحيل مبارك بشهور، تحرّش عددٌ من الطلبة البلطجية فى حرم جامعة عين شمس بالدكتور/ عبدالجليل مصطفى والدكتورة/ رضوى عاشور وتهجموا عليهما، وكان هذا حديث الفضائيات ليلتها، فإذا بمداخلةٍ من رئيس الجامعة يؤيد فيها هؤلاء البلطجية قائلاً إنهم طلبةٌ غيورون على جامعتهم من تطفل الأساتذة الأغيار (أحدهما أستاذ أساتذة بالقصر العينى والأخرى أستاذة أساتذة بآداب عين شمس).. بعدها بشهور قامت الثورة واختفى رئيس الجامعة إلى أن فوجئ الإعلام باسمه مطروحاً كوزيرٍ للتعليم فى حكومة محلب بعد القامة الوطنية د/ حسام عيسى، فلما انتفض عددٌ من كبار الأساتذة اتضح أن رئيس الوزراء لم يكن يعلم بهذه الواقعة وتراجع عن ترشيحه.. ثم رشّح بدلاً منه رئيس جامعةٍ خاصة قبل أن يتراجع عن ترشيحه أيضاً.. أما كمال أبو عيطة فقد استبدل به موظفةً فى مكتب عائشة عبدالهادى.. مما جعل الجميع يتساءلون (من الذى يُشير على رئيس الوزراء بهذه الاختيارات؟) وجعل سؤال الساعة هو عنوان المقال (كيف يتم اختيار الوزراء فى مصر؟).
4 – فترة المشير/ عبدالفتاح السيسى:
الله أعلم كيف سيتم اختيار الوزراء فى هذا العهد.. لكننا نأملُ خيراً.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة