كان ياما كان يا سادة يا كرام فى سالف العصر والأزمان ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام.
هكذا كان الرواة القدامى يستهلون حكاياتهم عن عالم الإنس والجن وحكايات الملوك والحب والغيرة وكل مشاعر البشر, وربما تسمع فى الخلفية صوت ربابة أو ناى يصاحب الحكاية, ولكن الآن ما عليك إلا أن ترتدى نظارة سوداء وتجلس على مقعدك الوثير فى دار عرض، لتشاهد عرض حى ذى أبعاد ثلاثية بالصوت والصورة والألوان لنفس حكايات كان ياما كان فى سالف العصر والأزمان, لم تعد بحاجة لخيال يرسم صورة ملك فى غابر الزمان ولا أميرة مسحورة ولا جنية شريرة أو حتى طيبة, فقد تكفلت السينما بأن تحول مشاهد تلك الحكايات التى كانت تلهب خيال الصغار إلى صورة يدفع فيها الكبار والصغار فى أيام معدودة أكثر من 236 مليون دولار، وهى الإيرادات التى استطاع أن يجنيها حتى الآن فيلم "ماليفسنت"، الذى يتوج أنجلينا جولى كملكة الساحرات الشريرات الأشهر فى التاريخ.
ماليفسنت هى الساحرة الشهيرة فى حكاية الجميلة النائمة التى قدمها والت ديزنى فى نهاية الخمسينيات وجميعنا يعرف حكايتها, فهى الأميرة الصغيرة التى تطاردها لعنة الساحرة ماليفسنت، حيث توخزها إبرة فى عيد ميلادها السادس عشر، لتنام ولا تصحو إلا إذا حصلت على قبلة حب صادق, وفى القصة الأصلية لديزنى تصحو الأميرة بعد أن يقبلها فارس أمير يقع فى غرامها، رغم أنها نائمة فتصحو وتوتة توتة فرغت الحدوتة,ولكن فى فيلمنا هذا الأسبوع الذى يحكى ذات الحكاية لكن من وجه نظر مختلفة، فهو يحكى لنا لماذا تحولت ماليفسنت إلى ساحرة شريرة، فقد كانت ساحرة صغيرة طيبة وقعت فى حب فلاح صغير فقير من بنى الأنس، ولكنه كان طموحًا, فحين وقعت حرب بين مملكة الساحرة ومملكة البشر انتصرت فيها الساحرة على الملك، ووقع مريضًا أعلن أن من يقتل ماليفسنت فإنه سيمنحه مُلكه, فذهب الفلاح إلى حبيبته الساحرة وغواها فنامت فى أحضانه مستسلمة، ولكنه لم يستطع قتلها واكتفى بأن أخذ جناحيها أقوى أسلحتها وسلمها للملك الذى منحه الملك.
وحين تكتشف ماليفاسنت الخديعة وضياع جناحيها، تقرر الانتقام من الملك الحبيب المخادع الذى تزوج ورزق بطفلة جميلة، وفى ليلة تعميدها تصب عليها لعنتها وأنها ستنام بعد أن توخزها الأبرة فى سن السادسة عشرة, وتتوالى الأحداث التى نعرفها جميعًا, غير أن الأميرة الصغيرة تجبر ماليفسنت على حبها وكأنها ابنتها فتحاول سحب لعنتها فلا تستطيع, ولكن قبلة من الساحرة على جبين الأميرة النائمة توقظها وليس قبلة الأمير.
السينما هى فن الخيال بأدوات الواقع، ولكنك حين تشاهد ماليفسنت بنظارة ثلاثية الأبعاد، ومشاهد فى غابة الموورز والجنيات الثلاث والقصر والأشجار، وكل أحداث الفيلم تشعر وكأن خيالك كسيح حتى حين كنت طفلاً, وربما أهم من الخيال فى هذا الفيلم هو واقع بطلته أنجلينا جولى فهى حالة خاصة فى السينما وفى الفيلم أيضًا, إنها الجميلة الموهوبة الناشطة الإنسانية بحق وليس أمام الكاميرات, أنجلينا فى هذا الفيلم هى كبطلة الفيلم والمنتج المنفذ له ومعها كاتبة السيناريو ليندا ولفرتون منحتا ماليفسنت الساحرة الشريرة التى نكرهها جميعًا منذ الصغرالحق فى أن تدافع عن نفسها، بل وأن نتعاطف مع شرها وانتقامها ثم نتمنى لها الانتصار, وذلك لأن الأحداث التى ساقها لنا السيناريو تدفعنا لذلك، إضافة لأداء وجمال أنجلينا الذى رغم قرون الشياطين التى تتوج رأسها كان باديًا، وكأنه تاج.
مخرج الفيلم روبرت سترومبرج والحاصل على جائزتى أوسكار من قبل، ولكن كمنفذ إنتاج فنى لفيلمى أفتار وأليس فى بلاد العجائب, بدأ فى أول أفلامه مخرجًا يبحث عن الإبهار فى الصورة الذى أتاحته له التكنولوجيا الحديثة البصرية وفى مثل هذه النوعية من الأفلام تتوارى رؤية المشاهد وإحساسه بالمخرج أمام عشرات الفنانين والفنيين المشاركين فى العمل، رغم أنه ربهم جميعًا فى هذه المهمة ولذا فإن الحكم على مخرج من أول أعماله وبهذه النوعية من الأفلام، سيكون حكمًا منقوصًا يحتاج مراجعة مع فيلم آخر ثان له.
ولكن الخلاصة، أن ماليفسنت ملكة الشر فى خيالنا حين جسدتها أنجلينا جولى، تحولت إلى أميرة للقلوب فأفسدت تاريخ خيالنا ولكن ما أجمله من إفساد.