كمال حبيب

الأصوات الباطلة.. محاولة للتفسير

الإثنين، 02 يونيو 2014 11:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المؤكد أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة افتقدت للتنوع، فلدينا مرشحان رئاسيان فقط، أحدهما يعبر عن الدولة المصرية، والثانى يعبر عنها بدرجة أو بأخرى، فهو يتخذ من الخبرة الناصرية إلهاما له، وقد كان المرشحان جزءًا من تحالف عبر عن موجة 30 يونيو التى رفضت حكم الإخوان.
لم يكن التنوع غائبا فقط فيما ذكرته من كون المرشحين ينتميان لتيار قريب متجاور، إنما تم نسخ التنوع فى اختلاف موازين القوى بين المرشحين الذى كان مقدراً لأحدهما أن يفوز بنسبة زادت على التسعين فى المئةو بينما لم يحصل المرشح الآخر إلا على نسبة 3%، وهنا لا يمكننا أن نكتشف التنوع فى تصويت أهل المدينة واختلافه عن أهل الحضر، أو تصويت أهل الصعيد والدلتا، أو حتى تصويت المحافظات ذاتها، ومعرفة منوال تصويتها لأن هناك اكتساحا هائلا لجهة طغت بشكل أفقد التنوع معناه، بحيث يمكننا فهمه أو دراسته أو معرفة اتجاهاته، هناك ملايين الأصوات فى جهة، وبضعة آلاف من الأصوات فى جهة أخرى فى العديد من المحافظات.
ولأن هذه الانتخابات لم تشهد مرشحاً إسلامياً كما كان فى عام 2012، فإن القوى الإسلامية شعرت كما لو كانت مستبعدة من المشهد الانتخابى فلم تشارك وهذا يفسر ضعف المشاركة فى اليوم الأول والثانى للانتخابات، بينما اعتبر اليوم الثالث يوم حشد لزيادة نسبة المشاركة، وهنا معضلة عدم مشاركة الإسلاميين فى الانتخابات، صحيح أن حزب النور عمل ما يستطيعه، لكن قواعده تحت الضغط النفسى للقوى الإسلامية الأخرى المحتقنة والقوى المتدينة حولها، والتى تنظر بشكوك حول إمكان قبولهم فى المسار الجديد، لم تذهب لتدلى بصوتها وتكاسلت عن المشاركة. بالطبع لم تكن القوى الإسلامية وحدها هى التى قاطعت الانتخابات، ولكن القوى الثورية هى الأخرى قاطعت الانتخابات، وكانت تدعو لذلك لأنها ترى أن فكرة الحشد والتعبئة والجلبة الإعلامية المطبلة والقاصفة للعقول والمشاعر تهدد التنوع فى اختصار الأصوات جميعاً فى صوت واحد هو الصوت العالى الذى يملك أدوات القصف والطبل، هناك مخاوف من القوى الثورية أن يكون الترويج لمرشح معين فى الانتخابات دفعا بالبلاد نحو دولة أمنية باطشة، تحرم تلك القوى الثورية من حقها فى أن تكون مشاركة وفاعلة فى الحياة السياسية، لا أن تكون مطاردة ملقاة فى السجون والمعتقلات.
من هنا تأتى ظاهرة الأصوات الباطلة الغريبة، والتى جاءت وصيفاً للمرشح الذى حصل على أعلى الأصوات، أن يكون وصيفك باطلاً، فهذا مؤشر خطير لابد من الالتفات إليه، ومعرفة أبعاده وأسبابه، فالبطلان هو نوع من الاحتجاج، وكانت كلمة «باطل» هتافاً للثائرين والمحتجين فى الشوارع المصرية منذ كفاية وحركة 6 إبريل، وكانت إجابة لهتافات الثوار بعد ثورة 25 يناير.
بالنظر إلى ظاهرة الأصوات الباطلة فإنها تبدو لى ظاهرة مدينية، بمعنى أنها تنتمى للمدن الكبرى، فهى أعلى ما تكون فى القاهرة والجيزة، كما أنها بادية بقوة فى مدن القناة الإسماعيلية وبورسعيد والسويس، وتبدو المنيا فى الصعيد إحدى المحافظات التى ظهرت فيها الأصوات الباطلة بشكل واضح من بين محافظات الصعيد، وذلك مرتبط بالطبع بالوجود الإخوانى، ووجود الجماعة الإسلامية بشكل أساسى، فضلاً عن أن أحكام الإعدام التى صدرت بحق المئات من أبنائهم يمكن أن تفسر ارتفاع نسبة البطلان فيها. وارتباط البطلان بالمدن يرجع إلى ارتباط الاحتجاجات بالمدن الكبرى الجامحة، وبالمدن بشكل عام، فالمدن مراكز الاحتجاج والريف مراكز الطاعة ودعم الشرعية.
إننا أمام أكثر من مليون صوت ذهب للانتخابات وأبطل صوته، وكتب عبارات على بطاقته الانتخابية تعكس الإحباط وعدم الثقة واللامبالاة، كما تطالب بالانحياز للفقراء وعدم استغلالهم. الأصوات الباطلة كأنها رأت أن السياق المهندس للانتخابات بين مرشحين لم يكن كافيا للتعبير عن قطاعات أخرى فى المجتمع المصرى، فعبرت عن نفسها من خلال التصويت بالبطلان.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة