دموع مبارك!

يبدو أننا سنظل نكتب عن مبارك ثلاثين سنة حتى يتعظ حكامنا، وينتبهوا ويعلموا أن التاريخ لن يرحم كل سلطان بغى، واستكبر، وظلم شعبه، ودمّر بلده!

وأمس تحدثت كل الصحف عن دموع مبارك التى سقطت من عينيه، وهو فى القفص بعد أن ظهر للمرة الأولى مرتديًا البدلة الزرقاء – بدلة المساجين – وقد تقاسم ابناه القفص معه، وهما يرتديان البدلة الزرقاء نفسها!

3لماذا بكى مبارك للمرة الأولى؟ وما الذى جرى تحديدًا ليضعف ويعجز عن حبس دموعه فى مقلتيه؟ وهل هى دموع ندم، أم دموع حزن، أم دموع شيخوخة؟

إن المصائب التى حلّت بمبارك وأسرته منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن، تجعل الحجر يبكى لو كان فى مكانه، فقد خرج ضده الملايين الذين حكمهم بالحديد والنار، وراحوا يطالبونه بالرحيل، ويسخرون منه ومن حكمه طوال 18 يومًا مجيدًا فى حياة الشعب، وقد بذل أقصى ما يستطيع ليحافظ على نظامه، فألقى خطابًا واثنين وثلاثة، مهددًا ومستعطفا، دون جدوى حتى أجبرته الحشود فى الميادين على مغادرة القصر.

ثم توالت مأساته فزالت النعمة، وانهدم العرش، وخسر الأبهة، وقبض عليه وعلى ابنيه والسيدة زوجته.. كما قبض على رجاله الأقربين فى السلطة.. وزج بهم فى السجون، وانهمرت فضائحه وأسرته على الملأ، وحكم عليه بالسجن المشدد ثلاث سنوات.. كل هذه الكوارث والمصائب التى ألمت بالرجل.. ومع ذلك لم نره يبكى أبدًا.

قال الناس إن مبارك خلق من طبيعة لا تعرف نعمة الندم، ولا تؤمن بفضيلة الاعتراف بالخطأ، وقد أتيحت له الفرص غير مرة، ليعتذر عما اقترف من جرائم فى حق شعبه، لكنه لم يفعل ولم يندم، وظل جامدًا ذا قلب غليظ.. يلعنه الملايين، ويسجنه القضاء، ويسجن أغلى ما عنده – ابناه – ومع ذلك يبدو صلدًا كالحديد.. لا يلين قلبه، ولا يرتعش جفناه، ولا يضطرب جبينه، فمن أى الخامات البشرية تم تشكيل مشاعر هذا المرء الغريب؟

لكن ما حدث فى القفص أمس الأول يثير الكثير من الأسئلة، ويحرض المبدعين والكتاب للبحث عن السر فى سقوط الدموع من عينى رجل لا يعتذر ولا يندم!