كان غالبية من المسجد تقريبا يغالبهم النعاس، بعضهم يقاوم النوم بعد المراوح المعلقة فى السقف، والبعض الآخر يقارن بين زخارف المنبر وألوان السجاد، وشاب يغير ساعته ثم يعيد ضبطها، وجاره يصلح من ملابس طفله ليحثه على عدم النوم، كل هذا والخطيب غارق فى التشنج والصياح عن الشبهات التى أصابت الدين وسوء الحال الذى عم الدنيا، قال ضمن حديثه إن أكبر عبرة نأخذها من قصة سيدنا سليمان هى أن الإمكانيات الجسدية والنفسية والعقلية للمرأة لا تسمح لها بقيادة البيت أو العمل أو الدولة!! كيف يا مولانا؟.. قال لأن هذا تفسير قوله تعالى عن بلقيس حينما جاءها رسول سليمان: قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّى أُلْقِى إِلَىّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَىّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34).
لا أعتقد أن كثيرا من الجالسين اهتم بما يرتكبه الرجل من جرائم على منبر رسول الله، فحتى هؤلاء الذين هزوا رؤوسهم تأييدا لتفسيره الساذج لآيات القرآن، كانوا فى الحقيقة معجبين بما اعتبروه تأييدا من القرآن لآرائهم الشخصية وما ورثوه من أعراف تقلل من قيمة المرأة، وبغض النظر عن هذه القضية الجدلية، فإن أكثر ما يثير الغيظ كان حجم الثقة التى يفسر بها الرجل كلام الله ويضع له تأويلات بعضها شاذ والآخر ملتبس، مستندا لكونه على ثقة بأن الجالسين أمامه أقل علما أو ربما أكثر جهلا منه، أو أنهم مغلوبون على أمرهم يستحون من إحراج رجل على المنبر حتى لو كان يكذب على الله ويدعى الفهم.
المعركة القادمة بين العمل والجهل لن تكون سهلة، وبالتأكيد لن تكفى النوايا الحسنة لتغير ما ترسخ فى عقول الناس، قد تبدو الفرصة سانحة ليعرف الناس أن ليس كل ما يلمع فى الدين ذهبا، أحيانا يكون سلعة يتربح منها تجار الأديان فى كل عصر، على الأقل فلنحاول أولا أن نتخلص من الخجل الذى يجعلنا نخشى فى الله لوم اللائمين، ونترك عقولنا نهبا لصحاب العقول الخاوية والقلوب المريضة.