رسالة السيسى كانت واضحة وتقصد الهدف الذى أراده الرئيس.
التبرع بنصف الراتب ونصف الثروة ليس فى قيمة المبلغ أو حجم الأموال لكنه فى المعنى الذى أراد توصيله للجميع وخاصة للحكومة ورجال الأعمال والقطاعات التجارية للعمل والكد وبضمير وطنى وإيثار، والالتزام بما عليها من واجبات تجاه الوطن. وأظن أن الرسالة وصلت إلى من يقصده الرئيس ليس فقط أفراد الشعب العادى، ولكن إلى رجال الأعمال والمستثمرين وإلى الحكومة «المترهلة» والمترددة فى اتخاذ قرارات وإجراءات حاسمة لترشيد الإنفاق ومواجهة العجز فى الميزانية وحصر الموارد المالية المهدرة.
اللحظة والمرحلة الصعبة التى تمر بها مصر الآن تستوجب على الجميع التضحية من أجل العبور من الأزمة الحالية والتطلع إلى المستقبل فى وطن أفضل لا يستحوذ أغنياؤه على الثروة ويعيش فقراؤه فى ضيق من العيش. وهذه هى اللحظة التى يثبت فيها كل رجل أعمال أنه على قدر المسؤولية الوطنية وتثبت فيها الحكومة أنها الأقدر على قيادة مصر فى مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التى تعيشها. والرئيس قد بدأ بنفسه وهو الرجل الأول فى الدولة، والذى أعطى المثل والقدوة فى قيمة التضحية والعطاء والتعفف.
والتاريخ يعيد نفسه، وفى تاريخ مصر لحظات مشابهة لما نعيشه الآن ووقف الشعب بكل فئاته إلى جانب قائده لبناء الدولة ومواجهة الأخطار المحدقة بها. ففى لحظة مشابهة وقف الملك المظفر سيف الدين قطز (1259م) يطالب الناس بدعم اقتصاد الدولة، وتحمل عبء الضرائب لإنقاذ الاقتصاد وبناء الجيش لمحاربة التتار فى عين جالوت، وهى المعركة التى أنقذت الإسلام والتراث الإنسانى من الضياع بفضل الشعب المصرى. ووقف المصريون إلى جانب قطز رغم معارضة الشيخ العز بن عبدالسلام أشهر مشايخ تلك المرحلة. وانتصرت مصر بقائدها وشعبها.
نحن نعيش لحظات مشابهة، فهناك أزمات فى الداخل ومخاطر فى الخارج تحتاج إلى تضافر كل الجهود وتحتاج إلى التوحد فى مواجهتها، والشعب المصرى قادر فى الشدائد على إظهار معدنه الأصيل لأننا فى مرحلة فرز وطنى حقيقى، وسيل التبرعات الذى يتدفق الآن خير دليل على ذلك، ولكنه يجب أن يستتبعه خطوات وقرارات موازية وأفعال على الأرض.
فلا وقت الآن للتردد فى اتخاذ قرارات قد تكون موجعة الآن، ولكنها تأتى للصالح العام، والرئيس عندما أعلن رفضه الميزانية كان يدرك أن الموافقة عليها تعنى عدم القدرة على تحقيق التنمية ومشروعاتها وعدم توفير موارد مالية لها وتخصيص الفائض لسداد فوائد الدين المحلى إضافة إلى الاستمرار أيضا فى تصاعد العجز فى الدين المحلى.
الحكومة أمامها عمل شاق لا تخاذ قرارات مهمة لتوفير الموارد المالية اللازمة من الداخل، وهى الأعلم بما سوف تقوم به من ترشيد النفقات للمليارات الضائعة، وكذلك إعادة النظر فى منظومة الضرائب والمتأخرات الضريبية التى تقدر بحوالى 70 مليار جنيه، إضافة إلى التهرب من الجمارك التى لا يتم تحصيل سوى %25 منها، وضرائب المهن الحرفية التى تحصل منها الدولة على 300 مليون جنيه فقط سنويا وليس 7 مليارات جنيه. وبالطبع دعم الطاقة أيضا.
خطوة الرئيس فى التبرع بنصف راتبه ونصف ثروته، يجب أن يعقبها خطوات أخرى فى مشوار صعب فى طريق الألف خطوة.