لو كان الفقر رجلا لقتلته المقولة الشهيرة التى تنسب لعمر بن الخطاب أحيانا، ولعلى بن أبى طالب أحيانا أخرى، هل كان مقصودا بها الفقر بمعنى العوز والاحتياج المادى.. النفى هى الإجابة المؤكدة لأن هذا النوع من الفقر يتضاءل أمام تشكيلة أخرى فاخرة من فسيفساء الفقر.
فللفقر وجوه كثيرة، كلها قبيحة، لها مدمرة، وللأسف أصبحت وكأنها أهداف نسعى إليها.. إننا نعيش حالة فقر وافتقار .
ونظن أننا لا نعانى سوى الفقر المادى بينما نحن نعانى من ألف فقر وفقر..
فقر العلم والتعليم، حين تغطى سحابات الجهل سماء وطن بأكمله فتهزمه..
فقر التواضع.. حين يزهو بالكبر صغار النفوس وحين يتوهمون أنهم كبار ويمشون فى الأرض مرحا وهم أصفار.
فقر التسامح.. حين تنفجر بالانتقام قلوب أمارة بالسوء.
فقر الموضوعية: حين تنطق عن الهوى وعن الغرض كل الألسنة.. فتنمو وتتضخم كل الأوبئة.
فقر الدين: حين تغتال أنواره على أسنة رماح (تُجًارُه) وحين يجاهر به الفارغون منه.
فقر الضمير: حين تقال نعم فى لحظة لا وتقال لا فى لحظة نعم وحين يكون النفاق مبدأ.
فقر الأخلاق: حين يصبح الفخر بالسفالة مشروعا شعبيا.
فقر العدل حين يصبح أهل السطوة.. قضاة وأهل الإفك.. دعاة.
فقر الاحترام حين يتطاول صغار ويتقاذف مهرجون
فقر المعرفة حين تصبح الحياة اليومية والقرارات الرسمية رجما بالغيب، وابنة شرعية للتكهنات والفهلوة فيصبح المستقبل رهن المقامرة.
فقر الفكر حين تقف النظرة عند حدود الأقدام فيضيع الطريق إلى غد وبعد غد.
الأشياء التى يجب أن نحرص على أن نكون فقراء فيها وبجدراة هى: "الفتىّ" والجهل والنميمة والشائعات والشتائم والغش والعنف والبلطجة وإلباس الباطل حقا والخواء من الحكمة والعمق والفهم..
إذا لم نتخلص من تشكيلة الفقر الفاخرة التى نعيش فيها، وإذا لم يبدأ كلا منا بنفسه ويجتهده ويجود للتخلص من كل آثام فقره أو إذا اعتقد أنه معصوم من أمراض الفقر فسنكون وطن "وهن على وهن"..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة