الانبا ارميا

"المصباح"

الجمعة، 27 يونيو 2014 11:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وفى طريق الحياة، ربما تُلقى الظلمة بأستارها على حياة البشر ويذهبون هنا وهناك متخبطين فى طرقها. فكل إنسان يحتاج فى طريقه إلى بصيص من ضَوء يمكنه من اجتياز الظلمة إلى النور. وأما من يقدم هٰذا الضَّوء ـ وإن كان خافتًا ـ فسيقود الآخرين إلى الخروج من ظلمة اشتدت بهم فى أثناء مسيرهم.

ربما يكون الضَّوء الذى يقدِّم: كلمة طيبة، أو ابتسامة رقيقة تُزيح هموم الطريق، أو الأخذ بيد إنسان، أو نصيحة صادقة غابت فيها الكلمات عن أذن تنتظرها. إلا أن هٰذا الضَّوء الذى تراه ضعيفًا ولا يساعد يكون حينئذ عملًا عظيمًا يُخرج الإنسان من ضعف إلى قوة ومن ليل إلى نهار.

يذكرنى هٰذا بقصة ذٰلك الصياد الشاب الذى خرج فى قاربه مصطحبًا ابنته فى رحلة صيد ليلًا. وبينما الظلام يغشى الليل، إذ تهب الرياح بشدة، وتعلو الأمواج، وبات الصياد لا يدرك الطريق أو إلى أين يبحر بقاربه! وأخذت الابنة تطلب معونة الله لإنقاذهما. وبينما يحاول الصياد يائسًا فى تحديد اتجاه إبحارهما، تلحظ الابنة ضوءًا خافتًا بعيدًا؛ فتصرخ إلى أبيها مشيرة إليه أن يتجه نحوه! أسرع الصياد يقود قاربه صوب النور الواهن الخافت ليصل إلى الشاطئ بأمان.

وفى أثناء هٰذه الأحداث، كان ابن الصياد يقف هناك على الشاطئ وعيناه ممتلئتان بالدُّموع! فقلبه يترجف خوفًا على أبيه وأخته خَشية إصابتهما بمكروه؛ فالليل شديد الظلام، وصوت الريح يبُث الرعب فى النفس، والأمواج العاتية تكاد تخطِف قلبه الصغير. يسرع الصبى نحو أمه متسائلًا عما يمكن فعله لإنقاذ أبيه وأخته. تهدئ الأم من روعه، وتأخذ بيده نحو غرفة علوية بالمنزل، وهناك تشعل مصباحًا وتضعه بنافذة الحجرة المطلة على البحر. يسأل الصبى أمه عن فائدة هٰذا المصباح؛ فتجيبه بأنها تضعه لكى يمكن أباه أن يرى ضوءه فيعرف الاتجاه الذى يقوده نحو الشاطئ. وهنا يصمُت الصبى شاعرًا باليأس؛ فالمصباح ضَوؤه ضعيف جدًّا ولن يساعد فى شىء، إلا أن الأم كانت تطمئنه أن كل ظلام العالم لا يستطيع أن يخفى الضَّوء وإن كان بسيطًا، وأن هٰذا الوهج الضعيف يستطيع أن يساعد وسط تلك الظلمة.

ربما تصير الحياة فى بعض الأحيان مثل هٰذا البحر الذى تتلاطم أمواجه داخل النفس وتشتد رياحه، وتسوده ظلمة الضيق والألم واليأس؛ لٰكننا يجب أن نبحث عن الضَّوء فى الحياة، ومع أنه خافت إلا أنه يساعد فى شق الطريق نحو الشاطئ.

فى طريق الحياة، احمل بيدك شمعة وإن كان ضوؤها ضعيفًا حتى يتسنى لك أن تساعد الآخرين. لا تتساءل عما يمكن عمله وسْط كل المشكلات التى تلاقيها. وتذكر أن عملًا بسيطًا ممتلئًا محبة قد يستطيع أن يَحفِز ويشجع آخر فقد طريقه فى ظلمة مشكلات هٰذا العالم. قدِّم الخير، وأضِئ الطريق ما استطعتَ فتساعد من تاه منه الطريق.
وعن الحياة ما زلنا نُبحر .
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة