محمود سعد الدين

#إحنا _ متراقبين

الثلاثاء، 03 يونيو 2014 06:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى منتصف مايو من العام الماضى، أعلنت وزارة الداخلية اختطاف 7 من جنودها بشمال سيناء فى ظروف غامضة، وتضافرت أجهزة الدولة وقتها فى عمليات البحث عن الجنود والقبض على الخاطفين، حتى ظهر فى اليوم الخامس فيديو لا تزيد مدته عن دقيقتين و50 ثانية، تضمن مشاهد مهينة للجنود وهم معصوبو الأعين ويتوسلون للإفراج عنهم.
هذا الفيديو كان بمثابة الخيط الأول للأجهزة الأمنية نحو الوصول إلى الخاطفين وكشف هويتهم، خاصة مع فقر المعلومات عن الواقعة وقتها، وبالفعل بدأت إدارة الفحص الفنى والتحليل التقنى بوزارة الداخلية اتخاذ كل السبل التكنولوجية للوصول إلى حساب "اليوتيوب" الذى تم من خلاله رفع موقع الفيديو، ولم تستطع الداخلية آنذاك، فاستعانت بشركة "جوجل" سرًا، لإمدادها بأى معلومات عن السؤال الصعب وقتها، من أى مكان تم رفع الفيديو على "اليوتيوب"؟

قدمت "جوجل" المعلومات إلى الأجهزة الأمنية ومفادها أن الفيديو تم رفعه من مقهى الإنترنت بمدينة العريش، ووقتها أصدرت وزارة الداخلية بيانًا أعلنت فيه القبض على صاحب فيديو الجنود المختطفين، وأشادت الداخلية بالجهود المشتركة بين قطاع الأمن العام وإدارة الفحص الفنى بالوزارة، دون أن تشير من قريب أو من بعيد إلى "جوجل".

من واقعة فيديو خطف الجنود، نخرج بنتيجتين فى غاية الأهمية، الأولى هى أن وزارة الداخلية تعانى من الفقر التكنولوجى لرصد جرائم الإنترنت، والتوصل إلى الجناة، والثانية هى حق الوزارة فى تتبع الحسابات المضرة بالأمن القومى للبلاد، بل والحق فى الحصول على أى معلومات تفصيلية من شأنها دعم الجهاز الأمنى فى قضية تضرب أمن البلاد كقضية خطف الجنود، بل والحق فى تطوير منظومتها برصد المخاطر الأمنية التى تتعرض لها من "شبكات التواصل الاجتماعى" بآليه تضمن لها الحفاظ على جهازها الأمنى، وتضمن أيضًا للمواطن المصرى الحماية الكاملة من أى أذى، ولكن التوسع فى استخدام الحق بتوسيع دائرة المراقبة والمتابعة من الحسابات الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة أو الجماعات المسلحة أو الحسابات التى تجسد خطر فعلى على أمن البلاد إلى مراقبة حسابات السياسين أو المفكرين أو النشطاء أو حتى المواطنين العاديين المشاركين فى نقاش ما على مواقع التواصل الاجتماعى، فهذا حق فى غير محله ويضرب الآلية التكنولوجية الجديدة التى من الممكن الاستفادة بها فى الفكر الأمنى بالوزارة قبل أن تبدأ بالأساس قبل أن تبدأ بالأساس.

هل وزارة الداخلية سيئة النية؟
طبعا.. لا، وزارة الداخلية حسنة النية فى تطوير جهازها الأمنى تكنولوجيًا، ولكن الواقع فى كراسة الشروط التى سيتم من خلالها اختيار الشركة التى ستنفذ التطوير تثبت العكس، والتى تظهر 8 دلالات فى غاية الخطورة تكشف عن أن سوء النية قادم.. قادم.

1- استخدمت وزارة الداخلية فى التعريف بالمشروع عبارة "الأفكار الهدامة " وذكرت أن المشروع سينشأ بالأساس لمواجهتها وسيعاقب كل من ينشر تلك الأفكار بالقانون، ولم تضع تعريفًا واضحًا لـ"الهدامة"، واقتصرت فقط بذكر مرادفات لتلك الأفكار مثل ازدراء الأديان، وإثارة النعرات الإقليمية والطائفية ونشر الشائعات المغرضة والتشهير والإساءة للسمعه والسب والقذف والخروج على الثوابت المجتمعية والعبارات الخارجة والعنف والتمرد والحشد للتظاهر والاعتصام والإضراب والفسق والفجور واجتزاء الكلام من سياقه.
وبالتالى من الممكن، بل من المؤكد أن المستقبل سيشهد مساءلة الجميع على آراء وتعليقات تدرجها الدولة تحت شعار "الأفكار الهدامة"، بما يعنى أن مواطن النوبة لو تحدث عن تجاهل الدوله لهم، فهو يثير قضية عرقية وينشر أفكار هدامة، وعامل مصنع الغزل والنسيج لو دعا لاعتصام ليحصل على حقه، فهو يثير أفكارًا هدامة تعطل العمل وتضر البلد، والمواطن الفيس بوكاوى إذا وصف أحمد موسى بـ"يح " أو توفيق عكاشة بـ"العوكش" فهو ينشر أفكارًا هدامة عبر السب والقذف، والسياسى إذا اعترض أو علق على سياسة الدولة فى تعاملاتها الخارجية مع دول الأعداء والتطبيع معهم من عدمه، فهو ينشر أفكارًا هدامة، وكل هؤلاء ستخضع حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى للمراقبة، لاشتراكهم جميعًا فى نشر الأفكار الهدامة.

2- فى البند الثانى من الشروط بالكراسة، ذكرت وزارة الداخلية، أنها تطلب آلية لمراقبة الفيس بوك وتويتر ويوتيوب، ولكنها ستراعى العروض المقدمة المتضمنة شبكات اجتماعية أخرى مثل لينكى دان وواتس أب وفايبر. وهذا يعنى أن الداخلية لن تتوقف عن متابعة "التايم لاين" فى الحسابات المطلوب مراقبتها فقط، ولكن الأمر يستدعى لمراقبة "الواتس أب"، المعروف عنه أنه وسيلة للمراسلة تعتمد على الرسائل الخاصة بين فردين أو أكثر، بما يعنى أن الداخلية ستتطلع على المراسلات الخاصة للمواطن المصرى أيضًا.
3- تضمن البند الـ19 فى كراسة الشروط أن تكون الشركة المتقدمة لتنفيذ المشروع جاهزة بتسليط الضوء على الموضوعات الاكثر شيوعًا من خلال تحديد اكثر الكلمات استخدامًا ومشاركة بين مستخدمى فيس بوك ويوتيوب وتويتر. وهذا يعنى أن الداخلية لن تراقب فقط ما يهدد أمنها ولكن ستراقب كل ما يشغل أهل فيس بوك وتويتر، بمعنى أن لو البرلمان بيناقش قانون الضرائب والنقاش محتد لدرجة دفعت رواد تويتر عمل هاشتاج #لا – للضرائب، فمن منطلق المشروع الجديد، سيتم مراقبة كل من يشارك فى الهاشتاج بحكم أنه يشغل تويتر وسيتم مراقبة كل من يكتب ومراقبة من أطلق الهاشتاج، وقد يكون من أطلقه النائب البرلمانى وبالتالى يخضع أيضًا للمراقبة، على الرغم من أنه محصن ويجلس تحت قبة البرلمان.
4- فى البند 21، ورد بكراسة الشروط أنه لابد يكون المشروع له قدرة التعرف على رواد النقاشات ذات العلاقة بالموضوع أو المواضيع المرصودة إلكترونيًا. تلك النقطة تحديدًا بها أزمة كبرى فهو اشترط مراقبة الرواد. أى كل من يشترك فى النقاش حتى ولو لمرة واحدة، دون تحديد نسبة المشاركة بمرة أو 10 أو 20، بما يعنى أن وزارة الداخلية سيكون لديها قوائم بأسماء لكل المشاركين فى أى موضوع نقاشى على فيس بوك أو تويتر، وهنا أنا ممكن اقبل مضطرًا أن تعرف المزاج العام للراى العام عن قضية ما بمعرفة عدد المشاركين وآرائهم المختلفة، لكن لا أتخيل أنك أيضًا تتمسك بمعرفة كل الرواد.
5- اللافت أيضًا أن وزارة الداخلية سيكون لديها معلومات كثيرة عن موضوعات لا تتعلق بالجانب الأمنى، قد تكون المعلومات لجانب سياسى أو اجتماعى أو اقتصادى أو رياضى، وهذا ما يدفعنا للتساؤل ما هو حرص الوزارة على امتلاك كل تلك المعلومات وتورطها فى الدخول فى صراعات مع قطاعات أخرى، ودفع فواتير بإسم قطاعات على حساب عملها الأساسى فى مكافحة الجريمة الجنائية، ونتذكر أن الداخلية نفسها فى فترة سابقة أكدت أنها تريد أن تنأى بنفسها عن أى صراع وتتفرغ لمكافحة الجريمة الجنائية.
6- الجديد أيضًا، أن الداخلية لا تتوقف فقط على جمع القائمة الكاملة لأسماء الرواد، ولكن وفقًا للبند 22 من كراسة الشروط، فسيكون هناك قائمة اسماء أقل للمؤثرين فى النقاشات بشأن الموضوع. .وهنا أمر هام لابد من طرحه، فعلى سبيل المثال لو تبين أن مجموعه من العمال بوزارة الصناعة دعوا لاعتصام احتجاجًا على تصرفات الوزير، وأطلقوا هاشتاج على تويتر بعنوان # الوزير – الفاسد – لازم – يرحل، ووفقًا للمشروع الجديد سيكون هناك قائمة كاملة أمام الداخلية بأسماء المشاركين فى الهاشتاج وأيضًا أسماء المؤثرين فى الهاشتاج نفسه من العمال. فرضا تدخل رئيس الوزراء وارتضى العمال وعادوا إلى العمل، وفى نفس الوقت حصل وزير الصناعة على قائمة الأسماء الذى أطلقوا الهاشتاج من أحد أصدقائه بالداخلية. فماذا سيفعل وزير الصناعة مع هؤلاء القلة المندسين الذين هددوا عرشه فى الوزارة، بالتأكيد "هيعلقهم".
7- تعودنا فى وقت ثابت أن بعض الأجهزة الأمنية تراقب كتابات عدد من الكتاب والصحفيين ولكن باستحياء. فى المشروع الجديد من كراسة الشروط فالوزارة خلعت ثوب الحياء وستراقب المقالات وكتابها بشكل منظم ومقنن، ووفقًا للمادة 24 فإن الداخلية: "على الشركة تتبع المقالات فى فترة زمنية لصحيفة أو موقع وتتبع مقالات كاتب معين ومقارنتها بمقالاته فى السابق".
8- صدمتى الكبيرة فى المشروع هى المادة 38 من كراسة الشروط والتى ذكرتنى بالمخبر السرى، المخبر الذى كان دوره بينصب بالأساس على معرفة من يجلس مع من ومتى وأين وفيما يتحدثون ومقدار تأثيرهم فى المنطقة الجغرافية المحددة، وفقًا للمادة 38، فالنظام الجديد فى المراقبة سيتميز بالآتى: "القدرة على التعرف على شخصيات مؤثرة فى منطقة جغرافية معينة وعلاقتهم ببعض، يعنى أنت متراقب.. متراقب" ولكن من مخبر جديد وحديث مخبر إلكترونى.
9- الأخطر أن المشروع الجديد لم ينظم سرية البيانات والمعومات وطريقة حفظها ولم يحدد طريقة إتلافها بعد استخدامها ليترك فى نفس أى مواطن هاجس بأن تلك البيانات قد يتم تسريبها مثلما تم تسريب المكالمات التليفونية واستخدامها بشكل سيئ.

أليس هناك شك بعد كل هذه الدلائل على حقيقة المشروع الأمنى الجديد لوزارة الداخلية، نظام يوسع دائرة الاشتباه ويراقب العاطل بالباطل، يراقب للمراقبة، وليس لحماية المنظومة الأمنية، يراقب لكى يجمع المعلومات فقط عن كل كبيرة وصغيرة، يراقب بدعوى الحفاظ أمن المواطن، فى حين أن المواطن نفسه شعر بالشك والريبة تجاه هذا النظام الجديد.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة