أحمد الجمال

تعالوا نتعاهد على مقاومة الاستبداد والظلم والفساد

الثلاثاء، 03 يونيو 2014 11:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما زال صوتهن يرن فى أذنى، ونحن من ورائهن نردد ما تهتف به الزميلة نور الهدى زكى: «يا أبو دبورة ونسر وكاب.. إحنا معاك ضد الإرهاب»!
كنا نقف أمام مديرية أمن القاهرة، ومن ورائنا المتحف الإسلامى ودار الكتب المصرية ورائحة الخراب تملأ المكان.. حيث بدت واجهة مديرية الأمن وواجهة المتحف وخلفية دار الكتب، وكأن طائرة حربية استهدفتها بالصواريخ.. والخراب كما الموت لهما رائحة تميزها الأنوف وتدركها الأبصار وتسمع صفيرها الآذان.. مثلما للعمار والحياة رائحتهما أيضاً، ولا يدرك الرائحتين إلا من عرف أبعاد المكان وأعماق الزمان وتدربت حواسه على التقاط الإشارات الدقيقة المبثوثة من الجمادات والزروع والضروع.. وكلها بما فيها الجمادات تبث إشارات ويعرف العارفون أن لها عبارات!، ويكفينى هنا أن أستشهد برائحة الثرى إذا هطل عليه المطر، وبتمايل عيدان الفول والبرسيم الخضراء إذا هبت عليها نسائم الشتاء الباردة ومن فوق الجميع تتعاقب موجات الضوء والظل وفق تعاقب الغمامات الحبلى بالماء، وفى المقابل رائحة الأرض العطشى المشققة شقوقا تبتلع الأقدام أو تطلق الأفاعى والفئران!! وغير ذلك كثير مما لا يتسع له المجال.
فى باب الخلق كان المشهد كما وصفته، وربما كانت صدفة اختيار المكان من جانب الإرهابيين أكثر دقة من أى تعمد مدروس، لأن باب الخلق تتجلى فيه أبعاد العلاقة بين المكان والزمان، لذا بدا الخراب فيه مأساة تجل عن الحصر والوصف!
عند نقطة الانفجار يلتقى الشارع الفريد الذى لا مثيل له فى كل عواصم الدنيا، لأن على رأسه قلعة وفى منتصفه مكتبة وعند أقدامه مسرح، مع الشارع الأكثر فرادة لأن بدايته نهر ومساره خليج ونهايته حدائق وبركة وقصور، وفيه اختارت السيدة زينب مثواها، وتدفق صوت الشيخ محمد رفعت من مسجد فاضل باشا!
هل رأيتم إذن كيف تعين على بعضنا- وكنت واحدا منهم- أن يهرول راكضا إلى هناك ليقف مع الواقفين من النساء ومن الرجال، نحمل الشموع فى خشوع إلى أن تفجر الهتاف ضد الإرهاب؟
بعد الوقفة مضيت بصحبة صديقى ورفيق الدروب الطويلة، لأنه من المشاءين العظام سعيد فرماوى، مخترقين تقاطع شارع محمد على الفريد الذى لا مثيل له مع شارع بورسعيد «الخليج المصرى» الذى يبدأ من النيل، متجهين إلى شارع مراسينا لنقصد قصر الأمير طاز.. فهناك حضرت مسرحية فى حب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.. مجموعة من الفنانين والمنشدين جمعهم الصفاء المحمدى فانجذبوا وداروا فى فلك الحقيقة المحمدية، وإذا بك وأنت تسمعهم وتراهم تدور كل خلية فيك معهم، وتتلاشى كل الأشكال عدا الدائرة والدائرين، وليبرق أمامى ضوء صوت حبيب آل البيت المتحقق عبد العزيز الدبيكى!!
ويسأل المرء نفسه لماذا شاءت الصدفة أن تجعلهم يختارون باب الخلق لنشر الخراب والموت؟ بل الأدق فى التساؤل: هو انظر كيف دفعوا إلى اختيار باب الخلق، كى يظهر مدى إجرامهم وظلمهم وجهلهم وجهالتهم وانحطاطهم ولتشهد عليهم يوم الشهادة الأعظم أنفاس وتكبيرات وصلوات وتسبيحات الملايين الذين صلوا وذكروا فى المكان عبر عشرات المئات من السنين، ولتشهد عليهم الأحجار والأخشاب والآثار والمخطوطات والكتب التى هزمها ودمر بعضها الانفجار!
لقد تذكرت مشهد باب الخلق، لأننى أعتقد أن من مهام الأقلام القيام بإنعاش ذاكرة الأمة وتذكير الناس بما كان، وذكر الحق والصح لهم، إذا سألوا واستفسروا أو غطى الضباب الحقائق! لأننا فى غمرة تسارع الأحداث وتعاقب المراحل نكاد أن ننسى ما فعلوه، ونكاد أن نتجاهل استحالة صنع الحياة بأياد اغتالت المكان والزمان وما بينهما من علاقة هى التاريخ.. وما التاريخ إلا تراكم الفعل الإنسانى فى المكان وعبر الزمان.
وصنع الحياة يجبرنا رغم أنوفنا أن نقبل بالصراع، وإلا كان الانسحاب والعزوف والانعزال بعيدا هو الأكثر راحة.. ولكنه لا يصنع الحياة، ولا بد لكل صراع من إدارة تجعله دافعا للأمام، ولكن الإرهاب مصمم على صراع يدار ليسحب إلى الخلف والأسفل، وكلما انتصرنا للحق والعدل والجمال والإبداع والبناء ضمر الإرهاب وتوارى، ولكنه يبقى كامنا ينتظر قعودنا عن الحق والعدل والجمال والإبداع والبناء، وتحولنا للباطل والظلم والقبح وفقر الخيال والهدم، لينقض أكثر شراسة وأشد تحصينا وأقوى قدرة على التخريب والدمار.
لهذا وذاك تعالوا نتعاهد، ونحن على باب مرحلة جديدة، ألا نصمت على استبداد أو على فساد أو على ظلم أو على انتهازية أو على جريمة مهما بدت عابرة بسيطة، لأن مستعظم النار من مستصغر الشر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة