اذا كانت الحكومة جادة بالفعل فى تخفيض عجز الميزانية فإنها تستطيع دون أن يتحمل الناس مزيدا من الأعباء الاقتصادية. فى أوقات الأزمات تصبح الحكومة مثل «التاجر المفلس» الذى يبحث فى دفاتره القديمة عن أموال له هنا أو هناك، وهذا بالضبط المطلوب من حكومة المهندس إبراهيم محلب فى هذه المرحلة للبحث فى الدفاتر والقرارات القديمة التى سهلت من مهمة إهدار المليارات من أموال الدولة، لم يستفد منها الشعب وحصل عليها أصحاب النفوذ وكبار رجال المال والسلطة فى مصر طوال مرحلة التسعينيات وحتى نهاية عصر مبارك.
حكومة المهندس محلب بدأت السير فى طريق الأشواك والآلام للتفتيش ووضع أيديها على عشرات المليارات من الجنيهات التى كانت ضائعة - ومازالت حتى اللحظة - بين دروب الفساد الإدارى وفساد السلطة والمحاسيب والأقارب، ولو تم تنفيذ ما أعلن عنه الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى فسوف توفر الحكومة أموالا طائلة تمكنها من سد نسبة كبيرة من العجز فى الميزانية.
الدكتور العربى قال إن هناك قرارا من المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، بتخفيض عدد المستشارين بالجهاز الإدارى للدولة %50 مع مراجعة شاملة للرواتب، والحكومة الحالية تتابع تنفيذ القرار.
لو افترضنا الصدق والجدية فى تنفيذ القرار، فالدولة سوف توفر أكثر من 12 مليار جنيه بضربة واحدة، ولو تم التخلص من النصف الآخر فسوف توفر حوالى 24 مليار جنيه. لو عرفنا أن مصر من الدول الفريدة والمتفردة فى العالم التى ينتشر فيها «جيش المستشارين» كالنمل فى وزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها الحكومية، وأفراد هذا الجيش يبلغ قوامه حسب احصائيات حكومية حوالى 73 ألف مستشار، رواتبهم تكلف الحكومة 2 مليار جنيه شهريا أى حوالى 24 مليارا سنويا. وهى «السبوبة» التى أرهقت ميزانية الدولة طوال الأعوام الماضية، وأغلبية هؤلاء تم تعيينهم بالواسطة أو بدرجة القرابة من المسؤول الكبير أو الوزير فى حكومات الفساد السابقة. وذات مرة أبلغنى أحد المسؤولين أن أحد رؤساء شركة الاتصالات المصرية - على سبيل المثال - عيّن أحد أقارب وزير الاتصالات الأسبق مستشاراً براتب شهرى 100 ألف جنيه وعمره لم يتجاوز 30 عاماً فقط. ولم يكن يفعل شيئا كباقى المستشارين أو أغلبهم فى مؤسسات الدولة سوى أنه يتحصل على الأموال الشهرية.
فى بعض الأحيان راتب المستشار الواحد فى الحكومة يتجاوز ربع مليون جنيه شهريا، وهو اللغز الصعب الذى لم تستطع حكومات مابعد 25 يناير فك طلاسمه.
قرار آخر جرىء أيضا أعلنه الدكتور أشرف العربى وهو وقف ضخ الطاقة المجانية إلى مصانع الاستهلاك الكثيف، وأكثر من مرة طالبت بضرورة مراجعة هذه المأساة، لأنها تتسبب فى خسائر جسيمة للدولة دون أن يستفيد منها المواطن العادى، فمصانع الأسمنت التى تبيع الطن حاليا بما يتجاوز 750 جنيها تحصل على طاقة مجانية تقدر بنحو 16 مليار جنيه، فى حين أن تكلفة الطن فى حالة بيع هذه الطاقة لأصحاب المصانع من المستثمرين الأجانب والعرب والمصريين، لا تتجاوز أكثر من 300 جنيه أو أقل.
الحكومة التى تبدو مثل التاجر المفلس تحتاج إلى حبوب الجرأة والشجاعة والإرادة لجمع أموالها الضائعة.