قلنا إن الرئيس يواجه تحديات متعددة، فى بناء فريق رئاسى قادر وناجح ومنجز، يخلو من الوجوه المكررة، والفاسدة والمتورطة. والمنافقة. وأن يستقطب التيارات الغاضبة والمتشككة والمعترضة. وأن يمتلك شجاعة اقتحام القضايا المهمة والمسكوت عنها، وأخطرها الإصلاح الاقتصادى والاستثمار، والتعامل مع المال بقانون واضح، يساوى بين الجميع فى الفرص والحقوق والواجبات.
الملف الأخطر هو ملف المال والاستثمار والأعمال، كأحد أهم الملفات العالقة والصعبة، والمعقدة. كيف سيتعامل الرئيس والنظام كله مع الاستثمار ورجال الأعمال، وهى مهمة ليست سهلة، ومحفوفة بالصدام والاختراقات والمصالح. كيف سيواجه المال السياسى، والمال الاقتصادى ورجال الأعمال والأثرياء. وكيف يمكن أن تحصل الدولة على حقها من دون تعقيد الاستثمار أو جعله لصالح فئة دون أخرى.
المعادلة أن الذين يتحدثون ويسخرون من احتياج مصر، ومشكلتها الاقتصادية، وكونها لن تقوم على المعونة ولن تعيش على الإعانات، هم أنفسهم يعارضون بوعى أو بدون وعى أى خطوات للإصلاح الضريبى والتمويلى. هؤلاء يطالبون بقائمة مطالب اجتماعية، تبدأ من الحد الأدنى للأجور، ودعم الفقراء وإنهاء العشوائيات، ومشروعات للتأمين الصحى الشامل، الذى يتساوى فيه المواطنون، ونظام تعليمى عصرى يتساوى فيه أبناء الفقراء مع أبناء القادرين. إذا سألت: من أين؟ سيرد هؤلاء دور الدولة أن تدبر.. فإذا فكرت الدولة والحكومة فى إجراءات وضرائب والبحث عن تمويلات للتنمية، فستجد من يعترض على أى تحرك لفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية. فى البورصة أو وقف دعم الطاقة والوقود.
مصر فقيرة، ومحتاجة، لكنها غنية، وليس فى الأمر فزورة، فهى فقيرة بالإهدار والفساد والاحتكار، لكنها قادرة بالمساواة والثروة البشرية.. طوال عقود كان الملف الاقتصادى معلقا وغامضا، هناك من يحقق أرباحا بلا حدود، ويدفع ضرائب محدودة. اليوم يفترض أن يواجه هؤلاء أنفسهم، كل الدول الحديثة لديها قوانين واضحة ترفع الضرائب كلما زادت الأرباح والدخول. وفى المقابل يحصلون على فرص متساوية ومتكافئة. هذا هو مفهوم العدالة حتى بالنظام الرأسمالى، بينما مفهوم العدالة الاشتراكى يقوم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، وكل نظام له قواعده وقوانينه، وله عيوبه وميزاته.
إذا كنا نتحدث عن مطالب اجتماعية فعلينا أن نقبل بنظام اقتصادى وضريبى واضح، يوفر تكافؤ الفرص، ويخلو من الفساد والابتزاز والاحتكار، والضرائب من صميم الإصلاح الاقتصادى والعدالة الاجتماعية، بشرط أن تبدأ من الكبار، وترتب الإعفاءات بشكل مناسب. وليس جزافيا. هذه هى المعادلة الأخطر أمام الرئيس والدولة.